الأربعاء، 16 فبراير 2011

هل فشلت الديمقراطية ؟

بقلم: بول ترينور
ترجمة بثينة الناصري

في مقالته يقدم المفكر الاوروبي بول ترينور وجهة نظر مختلفة تماما. انه يرى ان النظام الديمقراطي اثبت انه ليس افضل مايصلح للشعوب. مقالة يجب ان يقرأها الجميع لادراك مايحدث حولنا .

الفشل التاريخي للديمقراطية

لا يمكن انكار أن هناك لا مساواة في الدخل والثروة والاوضاع الاجتماعية في كل المجتمعات الديمقراطية, وأن هذا الوضع الذى يبدو مزمنا يتفاقم. ومثال ذلك:

الولايات المتحدة الامريكية حيث تذهب فوائد النمو الاقتصادي الى الاغنياء ويحرم منها الفقراء, فحسب احصاء 2000 لاحدى الهيئات الرسمية الامريكية ارتفع معدل دخل 1% من دافعي الضرائب الاغنياء بنسبة 31% للفترة من 1995 الى 1997 في حين أن معدل دخول الـ90% من دافعي الضرائب الفقراء ازداد 3% فقط .

ولابد اننا نلاحظ أنه في كل دولة ديمقراطية ليبرالية هناك قطاعات من الشعب معزولة ومهشمة سياسيا.

في الماضي, كان المحافظون يخشون الديمقراطية "لانها تسمح للفقراء بالاستيلاء على ثروة الاغنياء" ولكن واقع التطبيق شئ اخر:

فالديمقراطيات الغنية لا تعنى "الناس العاديين" ضد "الصفوة" وانما تعني تحالف "الناس العاديين مع الصفوة" لسحق المعدمين.

في العقود الاخيرة صارت كلمة "ديمقراطية" مرادفة لكلمة "دولة غنية" وهذا ما يجعل انصار الديمقراطية يقولون " الديمقراطية تجعلك غنيا" !
ربما، لكن الاحصائيات تبين انهم يغتنون بافقار الاخرين.

وكما أن اللامساواة بين طبقات الشعب داخل الدولة الديمقراطية تتعمق, فانه بنفس الطريقة تتسع الفجوة بين الديمقراطيات الغنية والدول الاخرى. ولكن ماذا فعلت هذه الدولة الغنية لانقاذ العالم من الفقر؟ هل منعت المجاعات ؟
كلا لان الديمقراطية لا تؤمن بالمساواة بين البشر.

عنصرية الديمقراطية

لاحظ أن الديمقراطيات الغنية تحد من قبول المهاجرين بكل الطرق, اما الدول الغنية غير الديمقراطية "مثل دول الخليج" فانها تقبل اعدادا كبيرة من الوافدين واغلب الدول التي صرفت مبالغ ضخمة من داخلها القومي لوضع اجهزة مراقبة الكترونية على الحدود لمنع تسلل المهاجرين هي الدول الديمقراطية الغنية. واذا سمحت بالهجرة فانها تشترط أن يكون المهاجر من بلد غني او أن يكون لديه رصيد كبير في مصارفها. في حين أن الدول الغنية غير الديمقراطية هي اكثر قبولا للمهاجرين الفقراء من بلاد فقيرة جدا.

ديمقراطية الناتو

في انحاء اوروبا اصبحت الديمقراطية وسيلة للتوسع وفرض السوق الحرة. اذ يصاحب فرض الديمقراطية: الخصخصة وسياسات السوق وما ينتج عنها من لا
مساواة ويمكن تعريف الديمقراطية بشكلها الراهن: لا تتواجد الديمقراطية منفصلة عن السوق الحرة واغلب الحقوق التي تتطلبها السوق الحرة مثل حرية التملك وحرية اقامة المنشاّت والشركات تكفلها الديمقراطية. وبالتأكيد لا تقبل أية دولة لدى الغرب كنظام ديمقراطي اذا لم تحرر تجارتها . وعندما تستخدم الانظمة
الديمقراطية الغربية القوة العسكرية لفرض الديمقراطية فانها تفرض معها ايضا السوق الحرة. هذا ما حدث في البوسنة وكوسوفو ويحدث في العراق .

من امثلة ارتباط الديمقراطية بالسوق هو أن مؤشر داو جونز او أي بديل محلي اصبح اهم مقياس لنجاح الامة, فاذا هبط مؤشر البورصة كان ذلك نذيرا بفشل
المجتمع

تكاليف التحول الى السوق والديمقراطية

اوضحت لنا تحولات مابعد 1989 في وسط وشرق اوروبا لاول مرة في التاريخ مؤشرا على التأثيرات السلبية للديمقراطية. وقد لخصها برنامج التنمية التابع
للامم المتحدة في تقرير له بسبعة تأثيرات اجتماعية واقتصادية هي :

* انخفاض معدلات الحياة
*ارتفاع معدلات الوفيات خاصة بين الشباب ومتوسطي العمر بسبب انتشار امراض كانت قد انقرضت مثل السل
*الارتفاع غير العادي للفقر
*اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء في الدخل والثروة
*ازدياد التمييز في الجنس حيث فقدت المرأة في النظام الديمقراطي مساواتها مع الرجل في الوظيفة والاجور وازدادت اعباؤها في المنزل والعمل
*التدهور المستمر في التعليم
*ارتفاع البطالة والاجور القليلة .

مقابل الديمقراطية

يعتبر علم السياسة الغربي أن مضاد الديمقراطية هي: الديكتاتورية والسلطوية والشمولية والمثال التاريخي للشمولية هو النظام النازي, أن نظرية الشمولية هي نتاج الحرب الباردة وقد كان اول استعمالها في الولايات المتحدة في اوائل الخمسينيات من القرن الماضي ابان هيستريا المناهضة للشيوعية.

وكانت الفكرة الاساسية فيها تشبيه حكم ستالين بحكم هتلر مع أنه في عام 1945 كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حليفتين ضد هتلر .

واذا نظرنا الى تعريف احد المفكرين الغربيين هو كارل فريدريك للشمولية بانها "ايدلوجية رسمية تتكون من عقيدة تغطي كل الجوانب المهمة من حياة الانسان وحيث يتوقع من كل شخص في ذلك المجتمع أن يعتنقها ولو بشكل سلبي" لوجودنا أن هذا التعريف ينطبق ايضا على المجتمعات الديمقراطية حيث يتوقع أن يكون جميع المواطنين ديمقراطيين.

ايدلوجية الديمقراطية

الى جانب مفهوم الديمقراطية, علينا أن نبحث في ايدلوجية الديمقراطية أى الايمان بالديمقراطية كهدف . ويمكن تعريفها من هذا المنظور بما يلي :

"الديمقراطية هي حكم اولئك الذين يرون انفسهم ديمقراطيين ويؤمنون بانه ينبغي أن يحكم الديمقراطيون" وهذا يعنى أنه في الانتخابات, اذا فاز حزب مناهض للديمقراطية بـ90% من الاصوات "أي الاغلبية" في انتخابات حرة وعادلة وفاز الديمقراطيون بـ10% فقط, فان انصار الديمقراطية يظلون على اعتقادهم بأن حزبهم هو الذي يجب أن يشكل الحكومة.

هل الحكومة الديمقراطية اكثر شرعية من غيرها ؟

من اهم مبادئ الديمقراطية الايحاء بأن الحكومات الديمقراطية شرعية لا ينبغي الاطاحة بها . وتعتمد الدولة على هذا المبدأ من اجل استمرارها واستقرارها
فالحكومة طالما جاءت بانتخابات حرة فلها شرعية "تحرم" الانقلاب عليها حتى لو اتت بافعال مشينة.

يؤمن انصار الديمقراطية بانها فوق كل شئ حتى فوق العدالة, لانها هي العدالة ذاتها أو الطريق لتحقيق العدالة. هي اذن نوع من المثاليات المطلقة تحيطها هالة
من القداسة تمنع انتقادها حتى اصبحت كلمة "غير ديمقراطي" نوعا من الشتيمة مرادفا لـ "مجرم" أو "معادى" وتستعمل لتوحي بخطر وشيك على المجتمع. وتخدم فكرة "شرعية الحكم الديمقراطي" للحفاظ على النظام القائم مهما كان مخطئا وكذلك لاكساب شرعية للدعم السياسي لحلفاء الغرب في الدول الاخرى.

تطور الديمقراطية.

يميل انصار الديمقراطية الى اجمال تاريخها بعبارة "من افلاطون الى الناتو"
From Plato to Nato ولكن حقيقة التوسع الديمقراطي كان شأن الناتو اكثر منه شأن افلاطون أو أي فليسوف اخر, وكان تدخل الناتو في كوسوفو اول مثال
تاريخي حي على "فرض الديمقراطية" بالحرب.

وكان هذا تطورا متوقعا, ففي نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945 وجد مواطنو اوروبا الغربية و الولايات المتحدة انه من الطبيعي فرض الديمقراطية على
اسنة الرماح. ولكن الخوف من استعمال القنابل النووية اجل ذلك الاتجاه والان عادت اوروبا الى مرحلة التوسع الديمقراطي حيث اصبح نشر الديمقراطية مبررا
معلنا لاى حرب ومعظم الانظمة الديمقراطية في اوروبا "الغربية والشرقية" فرضت من الخارج بالغزو أو الاحتلال أو كشرط للمساعدة الاقتصادية . لقد دخلت الديمقراطية اوروبا على فوهة بندقية أو بسطوة الدولار ولم تكن باختيار الشعوب ذاتها الا في حالات نادرة, وكانت التكلفة مئات من الالوف من ارواح البشر وملايين اللاجئين .

عزل الخصوم

في كل الديمقراطيات, يعزل خصوم الديمقراطية من الحياة المدنية ويحظر عليهم ممارسة حقوقهم السياسية مثل تشكيل الاحزاب واصدار الصحف. بمعنى أن النظام الديمقراطي يخنق خصومه .أليس هذا ما تفعله النظم الديكتاتورية؟

ثقافة الديمقراطية

تحافظ النظم الديمقراطية على ثقافة الديمقراطية ويمكن ملاحظة ذلك في الكتب والبرامج التعليمية في كافة المراحل الدراسية, حيث تعالج الديمقراطية وكأنها حقيقة مسلم بها لا يجوز مناقشتها. مثلا تناقش اللامساواة الاجتماعية بأنها نتيجة "عدم كفاية الاجراءات الديمقراطية" وليس تطبيق الديمقراطية نفسها: خد مثالا:

الاجراءات القضائية في محاكم الولايات المتحدة وكندا دفاعا عن حق المتسولين في التسول كنوع من حرية التعبير وهذا يعتبر نصرا للديمقراطية الليبرالية : فبدلا من اعادة توزيع الثروة يسمح قانونا للفقراء بأن يتسولوا من الاغنياء . (هذا مايتبجح به الاحتلال فحين احتلت بغداد وحل الجيش العراقي وازدادت اعداد العاطلين وقاموا ببعض المظاهرات في حينها، خرج المتحدث باسم سلطة الاحتلال وقال : أليست هذه المظاهرات حرية؟ وهل كان العاطلون يستطيعون التظاهر في عهد صدام حسين ؟

المهاجرون غير الشرعيين و الديمقراطية

رغم الدعاية السائدة بأن الدول الديمقراطية هي "جنة الحرية" فهي تبدو على حقيقتها العنصرية في اسلوب معاملتها للمهاجرين غير الشرعيين "وهم المهاجرون الذين يعبرون الحدود خلسة من بلدانهم الفقيرة المضطربة بالحروب الى حدود الدول الغنية التي يحملون بأن يجدوا فيها الامن والعمل والحرية".

الحقيقة أن الدول الديمقراطية لا ترغب في تغيير تركيبتها السكانية لاستقبال وافدين من دول فقيرة وهكذا يظل المهاجرون بدون حقوق سياسية ولا حتى حقوق
مدنية, فهم لا يستطيعون الانتخاب ولا التظاهر ولا التجمع ولا تكوين احزاب ولا اصدار صحف ولا يستطيعون الاجهار بدياناتهم وهم غير متساوين امام القانون
ومعرضون في كل الاوقات للاعتقالات العشوائية والنفي والطرد وربما القتل ايضا اكثر من ذلك ليس لهم حرية التنقل أو السكن أو العمل بدون رخصة
اذا وقع مثل هذا في بلدان اخرى يطلق عليه "قمع" فاذا كانت الدولة الديمقراطية يمكن أن تقمع قطاعا من مواطنيها بهذا الشكل مدعية في نفس الوقت شرعية وجودها, فلماذا يكون أي حكم ديكتاتوري "مخطئا وغير شرعي" اذا عامل معارضيه أو مواطنيه بنفس هذه الطريقة؟؟

التوسع الديمقراطي:عالم من الشعوب الديمقراطية

هناك ايدلوجية حقيقية لـ"دمقرطة" العالم فمعظم الديمقراطيين يؤمنون بأن من حقهم فرض الديمقراطية بدون حدود في الوقت أو المكان وكلهم يدعون أن هذا
ليس فرضا بالاكراه كما قال ستروب تالبوت نائب وزير الخارجية الامريكي في كلمته امام وزراء خارجية الناتو في 1999 " الديمقراطية- حسب تعريفها-لا
يمكن أن تفرض, في أى بلد تحت أي ظروف . يمكن فرض الديكتاتورية ولكن الديمقراطية لا يمكن أن تكون الا اختيارا" وهذا نفي واضح لحرية البشر في اختيار النظام الذي يلائمهم وكان فرانسيس فوكوياما محقا حين قال "أن توسع المجتمع العالمي الديمقراطي هدف مباشر للسياسة, الامريكية الخارجية" ومن منظرى الغرب ديفيد هيلد الذي يعتقد بضرورة اقامة نظام عالمي ديمقراطي ومن يعاديه يعتبر شريرا يستوجب القتل .

ديمقراطية ام استعمار جديد.

أن تعريف الناتو للديمقراطية في اماكن مثل كوسوفو أو صربيا بأنها "الحكم بواسطة القوى الديمقراطية" وينفذ ذلك ولكن بتركيز اقل في التيمور ولكن في هذه
الاماكن فان "القوى الديمقراطية" لا تعدو أن تكون صفوة صغيرة موالية لامريكا تتكلم الانجليزية وتنتمي عادة للطبقة فوق المتوسطة وبهذه الشروط يكون لدينا
هيكل سياسي جديد: هو محمية ديمقراطية .

في هذه المحميات الجديدة يعزل غالبيا الشعب عن الهيكل السياسي والادارى بحواجز اللغة والثقافة, ففي التيمور حدثت اضطرابات عندما جعلت الامم المتحدة
اللغة الانجليزية شرطا للتوظف مستبعدة بذلك حوالي 99% من السكان وهناك كما في بلاد اخرى فان التحول الديمقراطي يدار باللغة الانجليزية فقط وهكذا يحل
محل الشعب في الادارة المدنية اداريون مستوردون "يسمون دوليين" ولهم صلاحيات واسعة من ضمنها اختيار الموسيقى التي تذاع في محطات الاذاعة المحلية أن التسمية الحقيقية لهذه الانظمة هو "كولونيالية" وكان المبرر لتدخل القوات الاجنبية في هذه البلاد هو ايقاف الحرب والمذابح ولكن " الدمقرطة" اصبحت مبررا للبقاء ويتوقع في السنوات العشرين القادمة أن يزداد عدد المحميات ليشمل مناطق واسعة من العالم ليعود الاستعمار من جديد.

لماذا هذا التيار الجديد لاعادة استعمار العالم بعد أن تخلصت منه معظم الدول في خمسينات وستينات القرن الماضي؟؟

الجواب يمكن فيما حدث في تطورات في السنوات الاخيرة بظهور احساس قوى لدى الغرب بالتفوق الثقافي وايمانه بأن القيم الليبرالية يجب أن تسود الكون رافق ذلك عودة الدعاية حول وحشية وبربرية دول العالم الثالث التي "تغرق العالم بالعنف والمذابح" وفي نفس الوقت ظهور اللوبيات داخل الدول المستهدفة بشكل منظمات غير حكومية مرتبطة بالغرب "وغالبا ممولة منه" وتتكون من الصفوة الناطقة باللغة الانجليزية التي لها صلة جيدة بالاعلام , تدعو وتمهد للتدخل الغربي في بلادها, كذلك برز قبول الامم المتحدة لمبدأ التدخل في شئون الدول الاخرى وانكار حق الاستقلال والسيادة وقبولها مبدأ التدخل العسكري بديلا عن التزامها بحماية خطوط وقف اطلاق النار. الاختلاف الوحيد في عملية اعادة الاستعمار هذه المرة هو أن الاستعمار الجديد لا يتم من قبل دولة واحدة وانما من قبل هياكل دولية وفي حين كانت موجات الاستعمار في السابق تتم بدافع الحاجة الاقتصادية والتنافس بين القوى العظمى وفكرة التفوق العنصري وشرعية "تمدين المتوحشين" فان استعمار البوسنة وكوسوفو والتيمور كان بدعوى "نشر الديمقراطية" وهواسم اخر لـ"تمدين" هذه الشعوب هو نفس الاستعمار ولكن وأسوأ سيناريو يمكن تخيله أن يعيش 1000 مليون انسان في محميات ديمقراطية في عام 2020 تحت حكم اداريين من اوروبا وامريكا الشمالية ومحليين يتحدثون اللغة الانجليزية . وباستخدام الدعاية المناسبة يمكن للرأي العام الغربي أن يعتقد بصدق أن هذا هو النصر الاخير للديمقراطية .

اللغة والدمقرطة

صار واضحا وجود علاقة بين انتشار الديمقراطية وانتشار الانجليزية ففي البدء تحل الانجليزية محل اللغات الاخرى في التخاطب والتراسل عبر الحدود مع
الصفوة, ثم تصبح اللغة الاجنبية الاولى كما حدث في هولندا مثلا وتفسير هذه العلاقة واضح: أن الولايات المتحدة وهي اكبر قوة في العالم ولها أقوى أقتصاد
وهي الدولة المعنية بفرض الديمقراطية تتحدث اللغة الانجليزية وفي البلاد التي بدأت التحولات الديمقراطية في العقد الاخير ازداد استخدام الانجليزية بعد و"خلال" التحول, كما أن اكثر المنظمات السياسية الدولية التي تروج للديمقراطية لا تستخدم في ادبياتها سوى اللغة الانجليزية.



   نشرت في موقع (دورية العراق) بتاريخ 17/11/2003

هناك تعليق واحد:

الأكثر مشاهدة خلال 30 يوما