بقلم: عالية ممدوح*
- 1 -
كنا نتخاصم ونتصافى على الورق. نتراسل منذ
عقود طويلة، نختفي ولا نلتقي كثيرا. دعوتها لباريس في أحد الأعوام فحضرت مع ابنها الصغير
وقتذاك. نتوارى طويلا لكننا، غريزيا نضبط خطوات بعضنا للبعض الآخر لكي لا نفقد الخيط
أو الاتجاه، وتتيه إحدانا عن الثانية، فنظهر بغتة، بتلك الطريقة الوحيدة المجنونة التي
لا نعرف غيرها ونحن في هذا السن المتقدم: إننا لم نغادر الضلوع والجوانح، أنا وبثينة
الناصري، القاصة العراقية، الباحثة والمترجمة، الصموتة، الكتومة المشتعلة والمتجددة،
شديدة الانتباه، طلقة اللسان، وصوتها رنان كإعلامية منذ بدء الاحتلال ولليوم، عبر موقعها
الالكتروني ومقالاتها وبحوثها وتراجمها وإطلالتها في بعض القنوات. صداقتنا لم تكن مطابقة
لأي قانون، فقط، كانت موجودة وذات تيار كهربائي يسجل ذبذبات البشاشة والنضارة الروحية،
فقد كنا لا ننتمي لأية حركة أو مدرسة أدبية أو اتجاه سياسي أو تنظيم عقائدي. كنا ومازلنا
نختلف في أشياء كثيرة، لكن صداقتنا كانت نوعا من الأيمان.