الثلاثاء، 15 فبراير 2011

الخطة الامريكية في تخريب الزراعة العراقية

 بقلم: اريانا يونجونك تشا
ترجمة بثينة  الناصري
نشرت الترجمة في 5 شباط 2004

يكشف هذا التقرير الخطير التخريب المقصود للزراعة العراقية لصالح الشركات الزراعية الامريكية. وهي خطة نفذت في كل مكان من العالم الثالث من اجل تحويل البلاد الخصبة بعد تبويرها الى اسواق مفتوحة لزبالتهم الزراعية.

الكوت- العراق – جاء الامريكيون في الصيف حاملين حقائب مليئة بالدولارات واشتروا محصول القمح من اراض تمتد لعدة أميال . كان السعادة تبدو على الفلاح فالح عباس للثمن الذي قبضه ولظنه ان حصاده الوفير من القمح نتاج عمله الشاق سوف يساعد في امداد شعب العراق بالغذاء.

ولكن قليلا من ذلك الحصاد الذي ساهم به هو وجيرانه من الفلاحين سوف ينتهي ليكون طعاما. فقد خزن البعض منه والبعض الاخر تحول الى علف للاغنام والجزء الاكبر شحن بناقلات الى حيث احرق ودفن.

ويقول المسؤولون في سلطة الاحتلال انهم شعروا ان عليهم شراء القمح لأن الفلاحين العراقيين الذين يشكلون نصف القوى العاملة يتوقعون من الدولة ان تشتري منهم كما كانت تفعل منذ عقود طويلة بالنظام الاشتراكي السابق. ولكن المسؤولين كانوا يخشون ان القمح وهو من نوعية رديئة سوف يعطل آلات المطاحن ولن يمكن استخدامه لصناعة الخبز ولهذا اتلفوه!

ولسد الفجوة في الغذاء فقد تم استيراد قمحا بقيمة 190 مليون دولار من ولايات كنساس واوكلاهوما وتيكساس في الولايات المتحدة الامريكية!!

اما كيف سينتج ويوزع الغذاء في العراق الجديد، فهذه هي المعضلة الكبرى التي تواجه السلطة المؤقتة وهي تحاول اصلاح الصناعات التي كانت الدولة سابقا تسيطر عليها او تدعمها. فتحت حكم صدام حسين كان العراقيون يعتمدون علىالدعم الحكومي من اجل المساعدة في المعيشة. وسلطة الاحتلال مصممة على تغيير هذا الوضع وخلق اقتصاد رأسمالي تقدم فيه الدولة اقل المساعدات والدعم و لاشد حالات العوز فقط.
وبما ان مشكلة الامن مستمرة فقد اضطرت السلطة الى التراجع عن بعض خططها السابقة. فوزعت البذور على الفلاحين بعكس قراراها الاول ثم أجلت خطة لانهاء التموين الشهري للمواطنين .

ويقول تريفور فلوج الاسترالي الذي كان مستشارا زراعيا في سلطة الاحتلال ( كان الوضع هنا عبارة عن رعاية واسعة من الدولة اعتقادا من انك اذا دعمت الفلاحين فسوف ينتجون اكثر وهذا خطأ لأنك اذا اعطيت كل شيء بدون مقابل فإن الناس لن تقدر ذلك ) .

في العراق القديم (يقصد السابق) كانت الدولة توفر البذور والمخصبات والمبيدات وادوات الري والتراكتورات والمتطلبات الاخرى للفلاحين بسعر منخفض وهو عادة ثلث او حتى ربع سعر السوق، وكانت تؤجر لهم دونمات الاراضي مجانا تقريبا مقابل (سنت واحد) في السنة! وكانت تشتري المحصول الرئيسي (الستراتيجي) من القمح والشعير بسعر ثابت سواء كان المحصول صالحا للاستخدام ام لا. وكانت تطحن لهم الحبوب مجانا. وفي كل شهر تستلم كل عائلة سلة دقيق وسكر وشاي والمتطلبات الاخرى.

ويناقش الان مسؤولو سلطة الاحتلال مااذا كان هذا الدعم سيستمر واذا كان الامر كذلك . . إلى متى؟

ويقول مستشار زراعي ان المناقشات هي بين (بالاقتصاديين) و(الجيش) ، فالاقتصاديون يريدون تحويل الاقتصاد بأسرع مايمكن والعسكريون يخشون من ان قطع الدعم بسرعة قد يؤدي الى قلاقل اجتماعية، مما يزيد من اضطراب الامن .

ومنذ انتهاء الحرب ، أمسكت الامم المتحدة بزمام موضوع الغذاء وظل نظام التوزيع السابق ساريا، ولكن منذ تشرين ثان/ نوفمبر نقلت الى سلطة الاحتلال برنامج النفط مقابل الغذاء الذي كان يوفر للعراق بعض الغذاء والمتطلبات الاخرى اثناء الحصار. وقد ورثت سلطة الاحتلال 3 بليون دولار من البرنامج وسوف يراقب العالم مافعلته بالمبلغ لأن الولايات المتحدة واستراليا وهما الدولتان اللتان تقودان اعادة تأهيل القطاع الزراعي في العراق هما ايضا الدولتان الرئيسيتان المصدرتان للقمح. ومزارعوهما يمكن ان يستفيدوا من الوضع الزراعي في العراق الجديد!

عباس يعمل في الزراعة ابا عن جد. ويعيش في قطعة ارض تبلغ 30 دونم جنوب شرق بغداد في قلب العراق بين دجلة والفرات وهو مكان يصلح لزراعة قمح الشتاء والنخيل وتعيش فيه قطعان الماشية . وهذه الارض خرافية في انتاجها وخصوبتها منذ القدم. وقد يكون النفط هو عضلات الاقتصاد العراقي ولكن الزراعة - رغم انها تشكل 6% من الدخل القومي- هي روح البلاد.

اثناء الحصار كان العراق يستورد اكثر من نصف طعامه. وكان المزارعون يجنون دخلا كبيرا في السنة مقارنة بالعمال والمدرسين والجنود.
كان محصول موسم واحد كاف لاعالة عباس وزوجته واطفاله الثلاث وشقيقه صالح وزوجته واطفالهما الثلاث ايضا. اضافة الى والد عباس ووالدته.

ويقول سلام اسكندر رئيس مديرية الزراعة في محافظة واسط ( كان المال وفيرا بحيث لم يكن هناك حافز للناس لزيادة الانتاج) ونتيجة لذلك ، انخفض المحصول الى الثلث كما ساءت نوعيته).وتأمل سلطة الاحتلال ان تكسر دائرة التواكل. والفكرة هي انك اذا خفضت الدعم فسيضطر المزارع الى الاستثمار اكثر بأمواله ويحسن من نوعية المحصول وهذا مايؤسس للاقتصاد الرأسمالي الذي تأمل سلطة الاحتلال ان يزدهر بعد مغادرتها البلاد في تموز / يوليو. ويعلق فلوج قائلا ( لاصلاح الكهرباء يمكنك ان تبني محطة كهرباء وتنتهي المشكلة ولكن في الزراعة عليك ان تغير الثقافة وذلك مالاتستطيعه بين ليلة وضحاها).

ويقول عباس والمزارعون الاخرون انهم خائفون مما يسمعونه من الاقتصاد الحر القادم.
وعندما قام بزيارة الى مكتب الزراعة في محافظته بعد حرب 2003 ، رأى الابواب مهشمة وكذلك الشبابيك . ولم يكن هناك موظفون، وقد اختفت كل التراكتورات والمحاريث والاسمدة والمواد الاخرى التي كانت مخزنة للموسم الزراعي القادم.ووقد استطاع عباس ان يدبر نقودا كافية لشراء مايحتاجه لحصاد القمح الصيفي ويأخذه الى مخزن المحافظة، وكم احس بالارتياح لأن المحافظة وافقت على شراء المحصول ولكن كان ارتياحا وجيزا.

في تشرين اول / اكتوبر، سمع من زملائه الفلاحين ان الادارة الامريكية في العراق سوف توفر قدرا ضئيلا من المخصبات والمبيدات ها العام ولاشيء آخر (في وقت لاحق قررت سلطة الاحتلال توزيع بعض البذور للمزارعين) وفي المستقبل القريب لن تقدم الحكومة أي دعم من أي شكل ولم تعط وعدا بشراء المحصول ايضا.

ويقول عباس ( اننا خائفون من الاقتصاد الحر، نحن لانفهمه. اذا زرعنا المحاصيل من سيساعدنا ومن سيشتريه منا؟)

اما محمد عبد الحسين رئيس اتحاد الفلاحين العراقيين فرع الكوت فيوضح ان تخفيض دعم الفلاحين سوف يجبرهم على ترك الزراعة. اذا لم توفر لهم الحكومة البذور والمخصبات فلن يزرع الفلاحون)

ولكن مسؤولي سلطة الاحتلال يقولون انهم على يقين من ان ذلك لن يحدث، بل على العكس كما يقولون فإن لديهم خططا لتحسين حياة الفلاحين.ووقد منحت الوكالة الامريكية للتنمية الدولية عقدا بقيمة 40 مليون دولار لشركة بدائل التنمية DEVELPEMENT ALTERNATIVES ومقرها BETHESDA من اجل احياء قطاع الزراعة بتوفير التدريب في التسويق وصناعة الغذاء وبمنح قروض صغيرة. والهدف هو زيادة 20% من انتاج الحبوب و50% زيادة في ارباح 1000 شركة تجارية ومضاعفة انتاج 30000 عائلة فلاحية.

ويقول فلوج ان استراتيجية تقديم اعانات للفلاحين كانت خاطئة ، وستقوم الحكومة الجديدة بدلا من ذلك بتقديم المساعدة بشكل تكنولوجيا وتعليم وبعد ذلك سوف يتكفل (السوق) بالبقية. وهدقه هو قطاع زراعي على نموذج القطاع الامريكي الذي يدعم المخرجات وليس المدخلات.

ومن اجل التوصل الى ذلك الهدف فسوف تتوقف الحكومة عن دعم المستلزمات ولكن سوف تدفع اكثر للقمح ويقول لويد هاربرت وهو مستشار للزراعة في سلطة الاحتلال (نحن نحاول ان نغير اتجاه دعم الزراعة) .

وقد اوصت وزارة الزراعة بسعر 140 دولار للطن في الموسم المقبل وكان في السابق 105 دولار للطن. والفكرة هي تشجيع المزارعين لزيادة النوعية والناتج في محاصيلهم للحصول على اسعار افضل.

وحتى اولئك الذين يؤيدون رؤية الاحتلال في هيمنة السوق الرأسمالي يخشون انه في السوق الحرة لن يستطيع المزارعون المحليون من منافسة الشركات الزراعية الاجنبية التي تعتمد الانتاج الكبير مثل القمح.
قبل الحرب كان العراق اكبر ثالث سوق لاستراليا في استيراد القمح. كذلك كان العراق يستورد الحبوب من الهند وروسيا. وقد وافقت سلطة الاحتلال على استمرار العقود التي وقعها النظام السابق.

ولكن حقيقة ان سلطة الاحتلال استوردت القمح من امريكا بعد ان دمرت محصول القمح العراقي اثار بعض التساؤلات حول صراع المصالح ، كما يسأل احمد حيدر الزبيدي عميد كلية الزراعة في بغداد ( هل جاءت الولايات المتحدة واستراليا لمساعدة العراق في تطوير زراعته ام لخلق منافسة؟)

اما اسماعيل حسين احمد رئيس اتحاد الفلاحين في كردستان التي كانت شبه مستقلة وكانت زراعتها اقل دعما فيقول انه متفائل بالرأسمالية في الزراعة ولكنه يعتقد ان سلطة الاحتلال تتحرك بسرعة وان الفلاحين الصغار ليسوا مستعدين بعد لسياسات العولمة.

ويقول (نحن مثل طفل يحتاج الى ان ينمو على مراحل. . اننا نحتاج الوقت قبل ان ننضج بما يكفي لمنافسة العالم).

وفي الوقت الذي يجادل المسؤولون في بغداد وواشنطن وكانبيرا واماكن اخرى قضايا تخص مصيره الاقتصادي، يعاني عباس القلق من شيء بسيط: عندما يأتي المطر.

بما ان موسم زرع القمح يكون في تشرين ثان/ نوفمبر فإن عباس قد استعد . لقد جمع بعض البذور مما تبقى من السنة الماضية واستخدم التراكتور العتيق موديل عام 1985 لحرث الارض واشترى بعض المخصبات من الحكومة بسعر مضاعف عما كان يدفعه قبل الحرب واشترى بعضا آخر من السوق السوداء. ثم بدأ عملية البذر: 18 دونم قمحا و5 دونمات بصلا ودونمين ثوما والبقية زرعها خضروات، والان وهو ينتظر حصاد الربيع فكل مايمكنه ان يفعله هو ان يتوجه الى الله بالدعاء.


المصدر :واشنطن بوست 22/1/2004
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة خلال 30 يوما