قصة قصيرة
بثينة الناصري
هل كان أمرا غريبا ان يتوقف الرجل
بسيارته لشراء علبة سجائر قبل مغادرة المدينة الساحلية في طريق العودة الى بلدته؟
كان شارعا ضيقا ، ذلك الذي وجد نفسه فيه ، ولكن هذا هو حال اكثر الشوارع الداخلية
لتلك المدينة الغافية على الساحل. هل كان صدفة ان يكون كشك السجائر بجوار محل لبيع
طيور واسماك الزينة ؟ ولكن من هنا بدأت الحكاية.
انفتح باب
السيارة الخلفي بقوة واندفع منها طفلان احدهما في السادسة والاخر في الرابعة، ورغم
تحذير الام التي كانت تنتظر زوجها في المقعد الخلفي ، الا انهما دخلا محل بيع
الطيور وأخذا يتفرجان على الاقفاص. يحاول الصغير ان يمد اصبعه بين القضبان ، فيما
يصطنع الكبير اصواتا ويغير من سحنته ليرهب الاسماك الملونة السابحة التي كانت
تتوقف قليلا تنظر اليه ثم تهز ذيولها وتمضي بعيدا. دخل الرجل خلف ولديه ووقف يتفرج
معهما برهة ثم اخذ يحثهما على مغادرة المحل لولا ان الكبير كان يقف متسمرا امام
صندوق من الكرتون موضوع على الارض. كان ينحني عليه حذرا محاولا استكشاف ما بداخله.
أطل الرجل في الصندوق فرأى عددا كبيرا من السلاحف الصغيرة تتكوم ساكنة قرب بعضها.
فأثار المشهد فضوله وسأل صاحب المحل:
- ألا تعيش هذه السلاحف في الماء ؟
- هذا نوع بري يعيش في المنازل
مال الرجل على ابنه وقال: هذه هي السلحفاة التي رويت لك قصتها مع الارنب .. هل تذكر ؟
قال الولد: اريد ان اراها تمشي !
وانضم اليه اخوه
الصغير ، وان كان يتشبث بساقي والده وينظر من بعيد بخوف ولهفة.
أخرج
صاحب المحل سلحفاة صغيرة من الصندوق. وضعها على الارض فلم تحرك ساكنا. كانت تختفي
كلية تحت درعها .
- اريد ان اراها تمشي
صاح الولد.
قال أبوه –
انتظر انها خائفة كما يبدو.
لكزها صاحب
المحل ، فمدت عنقها وأرجلها ودبت قليلا ثم توقفت وضمت نفسها داخل الدرع ثانية .
وفي هذه اللحظة
، انطلق نفير السيارة المنتظرة في الخارج. خرج الرجل الى باب المحل فأشارت له
امرأته من بعيد متسائلة عما يؤخرهم .
تقدم نحوها وقال: كنا نتفرج على سلاحف برية .. صغيرة
هكذا بحجم اليد.
- آه .. أنا اسمع انها تعيش مائتي عام .
قال الرجل – لا
اصدق .. ربما تقصدين السلاحف الضخمة التي نسمع عنها ؟
- دعني أراها .
قالت ذلك وغادرت
السيارة ، وفي داخل المحل بادرت صاحبه وهي تقلب السلحفاة الراقدة على الارض: أليس صحيحا انها تعيش مائتي عام ؟
- أجاب : ليس بالضبط ولكنها تعمر طويلا .
- وهل هناك من يشتريها ؟
قال صاحب المحل بثقة : كثير ! يأخذونها للبركة . إنها سلاحف مبروكة كما تعلمين.
- التفتت المرأة الى زوجها وقالت باسمة : والله فكرة ! دعنا نأخذ واحدة تجلب لنا
الحظ في البيت الجديد.
ضحك الرجل وهو
يقول
: وتعيش
بعدنا وترث البيت !
تقافز الولدان : نريد واحدة .. نريد واحدة .
وهكذا انطلقت
السيارة على الطريق الصحراوي وهي تحمل الضيفة الطارئة التي انزوت اول الامر دون
حراك ، ثم يبدو ان ارتجاج السيارة أثار قلقها ، فتحركت فجأة واختفت تحت المقعد
الامامي ، ثم اطلت برأسها من بين قدمي السيدة وواصلت تقدمها . وهنا تشبث الابن
الاصغر برقبة أمه صارخا: تريد ان تأكلني !
لكنها ربتت عليه ، وانحنت لتحمل السلحفاة وتضعها على حجرها.
- انظر .. إنها لا تأكل أحدا .. انظر
انها خائفة منك !
لكن الولد ازداد
صراخا وانتقل الى المقعد الخلفي يحتمي بأخيه .
قال الرجل :نسينا ان نسأل إن كانت السلحفاة هذه
ذكرا أم أنثى ؟
قلبت المرأة الحيوان بيدها وقالت : لاشيء ظاهر.. ولكن لابد ان تكون هناك طريقة لمعرفة جنسها .
اطل الولدان
برأسيهما من المقعد الخلفي يتأملان السلحفاة في يد الام وأبدى الولد الكبير رغبة
في ان يلسمها .. مد اصبعه بحذر وربت على رأسها فيما لامس الصغير درعها السميك
بسبابته
سأل الاب :هه؟ ماذا نسميها ياولاد ؟
قالت الام : نسميها مبروكة .. أو محروسة .
قال الابن
الكبير
: شيرين
.. شيرين
.
علق ابوه
: ذوقك حلو ياولد .
صاح الصغير :لا يا بابا . سوسو أحلى .
حسمت الام
النقاش قائلة: لتكن شيرين .. اسم جميل فعلا . هذه
اختكما ياأولاد . على افتراض انها انثى .
سأل الاب ابنه
الصغي :
مارأيك
الان في اختك شيرين .. خائف ؟
هز الولد رأسه نفيا وراح يتأمل السلحفاة بإدراك جديد بعد ان اتخذت اسما بشريا . ونقر على رأسها بإصبع مرتعشة .
مد الرجل يده
واحتوى السلحفاة ليضعها على ساقه.
قالت زوجته :انتبه للطريق !
-
لاتخافي .. دعيني آخذ قليلا من البركة
لعل الامور تتحسن في الشغل .
تحركت السلحفاة
على فخذه باتجاه المقود . وصلت اليه . تشممته ثم حاولت تسلقه .ضحك الرجل وجذبها برفق ثم اعادها الى
فخذه ، ولكنها استمرت في خط سيرها ذاته حتى اصطدمت بالمقود ثانية وتسلقته .
- هو تحدّ إذن ؟
- انتبه للطريق !
أعادها الرجل
الى فخذه .. لكنها لم تتوقف . تحركت ببطء .قال محدثا زوجته :
- إني اسمع ان السلاحف اذا ماتت انقلبت
على ظهورها .
- اشك في ذلك . كيف تفعلها ؟ يمكن انها
اذا وقعت على ظهورها مدة طويلة تموت؟
قال الرجل : دعينا نجرب .. نقلبها على ظهرها ونرى إن كانت تستطيع ان تعدل نفسها .
مال الولد
الكبير بكل ثقله على كتف أبيه وحاول ان يمسك السلحفاة ولكن اباه تشبث بها قائلا : انتظر لنرى ماتفعله .
وعاتبته زوجته : دعها للاولاد ..
شد الولد ذراع
أبيه وهو يصيح : هات شيرين .
وفي هذه اللحظة
سقطت السلحفاة بين ساقي الرجل وانحشرت تحت دواسة البنزين. انحنى ليلتقطها .
- انتبه !!
ضاعت الصرخة إذ
افلت زمام المقود من يده ، وانحرفت السيارة بشدة الى حافة الطريق واندفعت الى
الهوة . اصطدمت مقدمتها بالارض ثم انقلبت على ظهرها .. ظلت عجلاتها تدور في الهواء
فترة ثم ... خمدت .
ران السكون ..
ينجلي التراب
المتطاير .. رفيف حركة وسط الصمت. يطل رأس صغير من باب السيارة الموارب .
تقذف السلحفاة نفسها الى الخارج . تقبع على الارض ساكنة وقد اختفت داخل درعها .
ثم
شيئا فشيئا تمد رأسها .. تلتمع عيناها السوداوان .. وببطء شديد .. تدب حثيثا بعيدا
عن السيارة ..
- ألا تعيش هذه السلاحف في الماء ؟
- هذا نوع بري يعيش في المنازل
مال الرجل على ابنه وقال: هذه هي السلحفاة التي رويت لك قصتها مع الارنب .. هل تذكر ؟
قال الولد: اريد ان اراها تمشي !
صاح الولد.
- دعني أراها .
- أجاب : ليس بالضبط ولكنها تعمر طويلا .
قال صاحب المحل بثقة : كثير ! يأخذونها للبركة . إنها سلاحف مبروكة كما تعلمين.
لكنها ربتت عليه ، وانحنت لتحمل السلحفاة وتضعها على حجرها.
قلبت المرأة الحيوان بيدها وقالت : لاشيء ظاهر.. ولكن لابد ان تكون هناك طريقة لمعرفة جنسها .
سأل الاب :هه؟ ماذا نسميها ياولاد ؟
قالت الام : نسميها مبروكة .. أو محروسة .
هز الولد رأسه نفيا وراح يتأمل السلحفاة بإدراك جديد بعد ان اتخذت اسما بشريا . ونقر على رأسها بإصبع مرتعشة .
قالت زوجته :انتبه للطريق !
- انتبه للطريق !
قال الرجل : دعينا نجرب .. نقلبها على ظهرها ونرى إن كانت تستطيع ان تعدل نفسها .
ران السكون ..
**
نشرت في مجموعة (وطن آخر) 1994 وترجمت الى الانجليزية من قبل المستشرقة الامريكية Gretchen Michele McCullough