الخميس، 9 يونيو 2016

الناصري أديبة تؤرخ لقول آخر

كتب باء

تقدم بثينة الناصري في أعمالها القصصية مزيجا متفاوتا من مشاعر المرارة والحسرة والجد والسخرية. ولكن لا يفتوها أن تطرح تحديات ومواقف ذات طبيعة نضالية أيضا.
ربما كانت الكتابة القصصية نوعا من التعبير الخاطف عن موقف مفارق من مواقف الحياة، أو حالة استثنائية من حالاتها المثيرة للعجب، إلا أنها بيد الناصري عمل يقصد النظر في الحياة نفسها كتحدي متواصل. وفي هذا المعنى، فانه ما من حدث أو موقف عابر، إلا وينطوي على مدلولاته الخاصة في ذلك المعترك.
من يوم الى يوم، تنتظر الناصري ما قد يضفي على الحياة العابرة، نوعا من حياة أخرى. أبطالها قد يكونون أناسا عاديين يبحثون عن نافذة لرؤية أفق آخر، أو شخوصا ممن يصنعون المصائر. إلا أنها تقدمهم لتقدم من خلالهم بعدا آخر، جدير بالكشف، للواقع الذي تضعهم فيه.
ما تحاول الناصري فعله، هو أنها إذ تكتب يومها، فإنها تكتب تاريخا، وتسطر مشاهد تدعم قراءتها الخاصة لهذا التاريخ.
وما من شك في أنها كاتبة تفخر بانحيازها. وهي تعرف أن للكتابة وظيفة أخلاقية واجتماعية وسياسية، وان الكاتب لا يكون كاتبا ما لم يؤدها ليضعها في خدمة تطلع نبيل. ولكنها تفعل ذلك بمقدار عال من العمق حتى لكأنها تخاطب مثقفي العالم بأسره، وبمقدار من البساطة حتى لكأنها تخاطب صديقة أو جارة.
وفي الكثير من الأحوال، تبدو الناصري وكأنها تخاطب نفسها دون أي أحد آخر. وثمة من الأدلة ما يكفي للقول إن الانسيابية تنطوي على مقدار محسوس من التداعيات الحرة أيضا.

ترى الناصري ما تراه، وتشقى به، ولكنها تُنفس عن مشاعرها تجاهه بحكاية، قالها شخص آخر
مناورات الإبداع في اعمال الناصري تكشف عن أديبة متمكنة أيضا، تعرف الى أين تريد أن تذهب كما تعرف كيف تصل اليه أو كيف توصل ما تريد له أن يصل. وفي العادة فإنها لا تميل الى خوض مغامرات تجريبية، لأنها فيما يبدو لا تملك الرغبة في أن يذهب أي عمل من أعمالها مذهب تأويلات متضاربة.
بلغة ساخرة أحيانا، وجادة أحيانا أخرى، تكتب عنك، لتكتب عن نفسها. وبالعكس. لتجد أن جل أعمال هذه الكاتبة العراقية المرموقة، إنما تقص حكايةً أعم، وإنها تؤرخ لمشاعر الفقد والخسران والمرارة، كما تؤرخ لتحديات الحياة، إنما لتقول فيها قولا آخر.
المصدر


إضغط على الصورة  لتحمل وتقرأ الكتاب مجانا

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة خلال 30 يوما