الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

إسرائيل وليبيا: تحضير افريقيا لصدام الحضارات


نشرت الترجمة لأول مرة في موقع وجهات نظر هنا
بقلم: مهدي داريوس ناظم رؤية Mahdi Darius Nazemroaya*
ترجمة: بثينة الناصري
تحت إدارة اوباما وسَّعت الولايات المتحدة حربها طويلة الأمد الى افريقيا. وأصبح باراك حسين اوباما الذي يُدعى (ابن افريقيا) اعدى اعداء افريقيا، فإلى جانب دعمه المتواصل للدكتاتوريات الافريقية، انفصلت ساحل العاج، وحدث تقسيم السودان وساءت احوال الصومال وهوجمت ليبيا من قبل الناتو. والآن القيادة المركزية الامريكية في افريقيا (افريكوم) في اوج عنفوانها فالولايات المتحدة تريد المزيد من القواعد في افريقيا، كما اعلنت فرنسا حقها في  التدخل العسكري في اي مكان في افريقيا لها فيه مواطنون فرنسيون ومصالح فرنسية معرضة للخطر. فيما الناتو يعزز مواقعه في البحر الاحمر وساحل الصومال.
وفي حين تنتشر الاضطرارات مرة اخرى في افريقيا بالتدخلات الخارجية، تقبع اسرائيل صامتة في الخلفية. وتل ابيب متورطة بعمق في دورة الاضطراب الحالية التي ترتبط بخطة ينّون لاعادة تشكيل محيطها الستراتيجي. ويعتمد هذا التشكيل الجديد على اسلوب راسخ من خلق الانقسامات الطائفية التي بدورها سوف تحيّد الدول المستهدفة او تفككها.
والكثير من المشاكل التي اصابت مناطق في شرق اوروبا ووسط آسيا وجنوب غربها، وشرقها،  وافريقيا وامريكا اللاتينية، هي نتيجة لإشعال متعمد للحرائق الاقليمية من قبل قوى خارجية.
ومنذ القدم تُستغل الانقسامات الطائفية والتوترات الإثنية اللغوية والاختلافات الدينية والعنف الداخلي، من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في اماكن متعددة من العالم. وما العراق والسودان ورواندا ويوغسلافيا ، الا امثلة قليلة حديثة لهذه الستراتيجية (فرق تسد) divide and conquer من اجل اركاع الشعوب.

الاضطرابات في وسط وشرق أوروبا ومشروع "الشرق الاوسط الجديد"
يشبه الشرق الاوسط في بعض جوانبه البلقان ووسط وشرق أوروبا، خلال السنوات التي مهدت للحرب العالمية الاولى، شبها كبيرا.
في اعقاب الحرب العالمية الاولى اُعيد رسم حدود الدول متعددة الأعراق في البلقان ووسط وشرق أوروبا واعيد تشكيلها من قبل القوى الخارجية بالتحالف مع قوى معارضة داخلية. ومنذ الحرب العالمية الاولى وحتى مابعد الحرب الباردة مرت البلقان ووسط شرق أوروبا بفترة اضطرابات وعنف وصراع ساعد على مواصلة تقسيم المنطقة.
 وعلى مدى سنوات طويلة كان هناك دعاة لشرق اوسط جديد، بحدود يُعاد رسمها لهذه المنطقة من العالم حيث تلتقي أوروبا وجنوب غرب اسيا وشمال افريقيا، وينطلق معظم هؤلاء الدعاة من واشنطن ولندن وباريس وتل ابيب. انهم يخططون لمنطقة تشكل من دول متجانسة عرقيا ودينيا. وتشكيل هذه الدول سوف يؤدي الى تدمير الدول الأكبر القائمة حاليا في  المنطقة.
والفكرة هي تشكيل دويلات صغيرة مثل الكويت او مثل البحرين يمكن ادارتها واستغلالها من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واسرائيل وحلفائهم.

استغلال اول "ربيع عربي" خلال الحرب العالمية الاولى
بدأت خطط اعادة تشكيل الشرق الاوسط قبل الحرب العالمية الاولى بفترة طويلة. ولكن لم تظهر بوادرها الا خلال تلك الحرب، مع (الثورة العربية الكبرى) ضد الامبراطورية العثمانية.
ورغم ان البريطانيين والفرنسيين والايطاليين كانوا قوى استعمارية منعت العرب من التمتع بأية حرية في دول مثل الجزائر وليبيا ومصر والسودان، فإنهم استطاعوا ان يصوروا انفسهم على انهم اصدقاء العرب وحلفاء التحرر العربي.
خلال "الثورة العربية الكبرى" استخدم البريطانيون والفرنسيون، العرب، في الواقع، جنودا ضد العثمانيين من اجل تحقيق مشاريعهم الاستعمارية الجيوبوليتيكية. وافضل مثال على ذلك هو اتفاقية سايكس بيكو السرية بين لندن وباريس، حيث استطاعت فرنسا وبريطانيا استخدام واستغلال العرب بإقناعهم بفكرة التحرر العربي مما يسمى القمع العثماني.
كانت الامبراطورية العثمانية امبراطورية متعددة الاعراق، وكانت تمنح في الواقع حكما ذاتيا محليا وثقافيا لكل شعوبها ولكنها كانت تعتبرها جزءا من كيان تركي. حتى (المذبحة الارمنية) التي وقعت في الاناضول يمكن تفسيرها بنفس اطار الاستهداف المعاصر للمسيحيين في العراق كجزء من خطة طائفية قام بها لاعبون من الخارج لتقسيم الامبراطورية العثمانية والاناضول ومواطني الامبراطورية العثمانية.
بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، قمعت لندن وباريس، العرب، وفي نفس الوقت، كانتا تزرعان بذور الانقسام بين الشعوب العربية.
كان الحكام العرب المحليون الفاسدون شركاء في المشروع وكان  أقصى آمال الواحد منهم أن يكون مجرد عميل لبريطانيا أوفرنسا.
بنفس المضمون، يتم استغلال "الربيع العربي" حاليا، حيث تعمل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واخرون الآن بمساعدة قادة عرب فاسدين لإعادة تشكيل العالم العربي وافريقيا.

خطة ينون

خطة ينون هي استمرار للاستراتيجية البريطانية في الشرق الاوسط وهي خطة استراتيجية اسرائيلية لضمان تفوق اسرائيلي. وتتلخص في ان على اسرائيل اعادة تشكيل محيطها الجيوبوليتيكي من خلال بلقنة الدول الشرق اوسطية والعربية الى دول اصغر واضعف.
وكان المخططون الاسرائيليون يرون في العراق التحدي الاستراتيجي الأكبر بين الدول العربية. ولهذا السبب اختير العراق كمحور لبلقنة الشرق الاوسط والعالم العربي. وحسب مفاهيم خطة ينون، دعا المخططون الاسرائيليون الى تقسيم العراق الى دولة كردية ودولتين عربيتين، واحدة للمسلمين الشيعة والاخرى للمسلمين السنة. وكانت اول الخطوات باتجاه ترسيخ ذلك هي الحرب بين العراق وايران التي ناقشتها خطة ينون.
نشرت صحيفة Atlantic في 2008 وصحيفة القوات المسلحة للجيش الامريكي في 2006 ، الخارطتان التاليتان اللتين وزعتا بشكل واسع وهما ترتبطان بخطة ينون.

خارطة مشروع غولبيرغ

خارطة مشروع الشرق الأوسط الكبير

فإلى جانب عراق مقسم والذي تدعو اليه خطة نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، ايضا، فإن خطة ينون تدعو الى تقسيم لبنان ومصر وسوريا . وعلى نفس الخطوط، يتم تقسيم ايران وتركيا والصومال وباكستان. وتدعو خطة ينون ايضا للتفكيك في شمال افريقيا وتتنبأ بأن يبدأ ذلك من مصر ثم السودان وليبيا وبقية المنطقة.


محو المجتمعات المسيحية من الشرق الاوسط
ليس صدفة أن تتم مهاجمة المسيحيين المصريين في نفس وقت الاستفتاء حول جنوب السودان وقبل ازمة ليبيا. وليس صدفة ان يُجبر المسيحيون العراقيون وهم من اقدم المجتمعات المسيحية في العالم على الهجرة، تاركين ارض اجدادهم في العراق. ويترافق مع خروج المسيحيين العراقيين الذي حدث تحت انظار وصمت القوات العسكرية الامريكية والبريطانية، تطهير بغداد طائفيا حيث اُجبر الشيعة والسنة بالعنف وفرق الموت لتشكيل جيوب طائفية. كل هذا يرتبط بخطة ينون واعادة تشكيل المنطقة كجزء من هدف اوسع.
في ايران، حاول الاسرائيليون بدون جدوى تهجير المجتمع اليهودي الايراني. وهو ثاني اكبر تجمع يهودي في الشرق الاوسط واقدم مجتمع يهودي متماسك في العالم. حيث ينظر اليهود الايرانيون الى انفسهم باعتبارهم ايرانيين مرتبطين بالوطن مثلهم مثل الايرانيين المسلمين والمسيحيين، ويستخفون بمفهوم ضرورة الهجرة الى اسرائيل لأنهم يهود.
في لبنان، حاولت اسرائيل اثارة التوترات الطائفية بين مختلف الطوائف المسيحية والمسلمة والدرزية.
لبنان هو منصة قفز الى سوريا وتقسيم لبنان الى عدة دول يمهد لبلقنة سوريا الى دول عربية طائفية اصغر.
اهداف خطة ينون هي تقسيم لبنان وسوريا الى عدة دول على اساس ديني وطائفي للسنة والشيعة والمسيحيين والدروز. ايضا ربما يكون هناك مسعى لتهجير المسيحيين من سوريا ايضا.
 وقد عبَّر رئيس كنيسة أنطاكية المارونية السريانية الكاثوليكية، وهي اكبر الكنائس الكاثوليكية الشرقية،عن مخاوفه من عمليات تطهير المسيحيين العرب في الشرق. ويخشى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والكثير من القادة المسيحيين في لبنان وسوريا من هيمنة الاخوان المسلمين على سوريا.
ومثل العراق، هناك جماعات غامضة تهاجم المجتمع المسيحي في سوريا. وقد عبر أيضا قادة الكنيسة الارثوذوكسية الشرقية بضمنهم البطريرك الارثوذوكسي الشرقي في القدس، عن مخاوفهم العميقة. والى جانب العرب المسيحيين ، فإن القلق ينتاب المجتمعات الاشورية والارمنية وهم مسيحيون طبعا.
البطريرك الراعي كان مؤخرا في باريس وقابل الرئيس نيكولا ساركوزي . ويقال انه كانت هناك خلافات بين البطريرك الماروني وساركوزي حول سوريا، مما دفع ساركوزي للقول ان النظام السوري سوف ينهار. وكان موقف البطريرك الراعي انه ينبغي ترك سوريا لتقوم بالاصلاحات. وقال ايضا لساركوزي انه اذا ارادت فرنسا نزع سلاح حزب الله ، فينبغي عليها في نفس الوقت التعامل مع خطر اسرائيل.
وبسبب موقفه في فرنسا فقد توجه زعماء روحيون مسيحيون ومسلمون في سوريا الى لبنان لتقديم الشكر له.
وفي المقابل تعرض لانتقادات من تحالف 14 آذار الذي يقوده الحريري بسبب موقفه من حزب الله ورفضه دعم الاطاحة بالنظام السوري. وينوي الحريري ان يعقد مؤتمرا لشخصيات مسيحية لإعلان رفض موقف البطريرك الراعي والكنيسة المارونية. وقد بدأ حزب التحرير الذي يعمل في لبنان وسوريا بانتقاده ايضا. كما ألغى مسؤولون امريكيون كبار لقاءاتهم المقررة مع  البطريرك الماروني اشارة الى انزعاجهم من مواقفه من حزب الله وسوريا.
ويعمل تحالف 14 آذار في لبنان والذي كان دائما اقلية شعبية (حتى حين كان اغلبية برلمانية) يدا بيد مع الولايات المتحدة واسرائيل والسعودية والاردن ومجاميع تستخدم السلاح والارهاب في سوريا.
وينسق الاخوان المسلمون ومايسمى الجماعات السلفية ويجرون محادثات سرية مع الحريري والاحزاب السياسية المسيحية في تحالف 14 آذار. وهذا هو سبب انقلاب الحريري وحلفائه على الكاردينال الراعي. كما أن الحريري وتحالف 14 آذار هم الذين جاءوا بجماعة (فتح الاسلام) الى لبنان وساعدوا بعض اعضائه للهرب الى سوريا للقتال هناك.
هناك خطة لتهجير المسيحيين من الشرق الاوسط تقوم بها واشنطن وتل ابيب وبروكسل. ويقال الان ان الرئيس نيكولا ساركوزي أبلغ البطريرك الراعي في باريس بإمكانية اعادة توطين  مسيحيي الشرق، في الاتحاد الاوربي. وهذا ليس عرضا كريما، بل هو صفعة على الوجه تسددها نفس القوى التي خلقت، عمدا، الظروف لمحو المجتمعات المسيحية العريقة في الشرق الاوسط. ويبدو ان الهدف هو اعادة توطين المسيحيين خارج المنطقة لصف الشعوب العربية على خطوط شعوب مسلمة حصريا. وهذا يتطابق مع خطة ينون.

إعادة تقسيم افريقيا حسب خطة ينون
في نفس إطار التقسيم الطائفي للشرق الاوسط، رسم الاسرائيليون خططا لاعادة تشكيل افريقيا. وتسعى خطة ينون الى تقسيم افريقيا على ثلاثة أسس:
1- الاثنيات اللغوية
2- لون البشرة
3- الدين
تسعى الخطة لرسم حدود في افريقيا بين ما يسمى (افريقيا السوداء) وشمال افريقيا (غير الاسود). وهذا جزء من خطة لخلق هوة في افريقيا بين ما يفترض انهم (عرب) ومايسمون (السود) ، في محاولة لمنع اندماج الهوية العربية والافريقية.
وهذا الهدف هو وراء ترويج وتشجيع التعريف الغريب (جنوب السودان الافريقية) و(شمال السودان العربية). وايضا هذا هو السبب في استهداف الليبيين من ذوي البشرة السوداء في حملة تطهير (لوني) في ليبيا.
ان مايجري هو فصل الهوية العربية لشمال افريقيا عن الهوية الافريقية. وفي نفس الوقت هناك محاولة لمحو السكان (العرب السود) حتى يكون هناك خط واضح بين (افريقيا السوداء) و(شمال افريقيا غير الاسود) مما يحولها الى ميدان معركة بين بقية البربر والعرب (غير السود).
في نفس المضمون، تخلق فتن بين المسلمين والمسيحيين في افريقيا، في اماكن مثل السودان ونيجيريا من اجل خلق المزيد من نقاط الانفصال والتقسيم. والهدف من هذه الانقسامات على اساس اللون والدين والعرق واللغة يقصد منه تفكيك الوحدة الافريقية. كل هذا جزء من استراتيجية افريقية اوسع لفصل شمال افريقيا عن بقية القارة الافريقية.

اسرائيل والقارة الافريقية
لقد تغلغل الاسرائيليون في القارة الافريقية منذ سنوات. في الصحارى الغربية التي تحتلها المغرب، ساعد الاسرائيليون على بناء جدار امني عازل مثل جدار الضفة الغربية.
في السودان، سلَّحت تل ابيب الحركات الانفصالية والمتمردين.
في جنوب افريقيا دعمت اسرائيل نظام الفصل العنصري واحتلاله ناميبيا.  في 2009 اعلنت وزارة الخارجية الاسرائيلية سعي تل ابيب لتجديد تركيزها على افريقيا.
لإسرائيل هدفان في افريقيا:
الأول: فرض خطة ينون بما يتناسب مع مصالحها الخاصة، والثاني: مساعدة واشنطن لتبسط سيطرتها على افريقيا.  وفي هذا الشأن دفع الاسرائيليون في اتجاه اقامة افريكوم (القيادة المركزية الامريكية في افريقيا) . ويمكن اعتبار معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة IASPS وهو مؤسسة فكرية اسرائيلية، مثالاً واحداً على ذلك.
أسندت واشنطن مهامها الاستخبارية في افريقيا الى تل ابيب التي تنهمك بذلك باعتبارها طرفا في حرب اوسع ليس فقط (داخل) افريقيا وانما (على) افريقيا.
في هذه الحرب، تعمل تل ابيب جنبا الى جنب واشنطن والاتحاد الاوربي ضد الصين وحلفائها بضمنهم ايران. وعلى الطرف الآخر، تعمل طهران الى جانب بكين بنفس طريقة تل ابيب وواشنطن.
تساعد ايران الصينيين في افريقيا من خلال العلاقات والروابط الايرانية ومنها ارتباط طهران بمصالح الشركات اللبنانية والسورية في افريقيا .
وهكذا ضمن تنافس اوسع بين واشنطن وبكين، هناك تنافس اسرائيلي- ايراني داخل افريقيا (1).
وقد أصبحت السودان ثالث اكبر منتج سلاح في افريقيا نتيجة للدعم الايراني في تصنيع السلاح. وفي هذه الاثناء، في حين توفر ايران المساعدة العسكرية للخرطوم والتي تتضمن العديد من اتفاقيات التعاون الامني، تتخذ اسرائيل مواقف ضد السودانيين. (2) .

اسرائيل وليبيا
اُعتبرت ليبيا (مُفسدة) حيث قللت من شأن مصالح القوى الاستعمارية السابقة في افريقيا. وبهذا الشأن، قامت ليبيا بتنفيذ عدة خطط تنمية صناعية افريقية شاملة من اجل تطويرها ودمجها في وحدة سياسية. وقد تعارضت هذه المبادرات مع مصالح القوى الخارجية المتنافسة مع بعضها في افريقيا، وبشكل خاص واشنطن ودول الاتحاد الاوروبي الكبيرة. وفي هذا الشأن كان يجب اعاقة ليبيا وتحييدها كجهة داعمة لتقدم الدول الافريقية ووحدتها.
وهنا كان دور اسرائيل واللوبي الاسرائيلي مهما في فتح الباب للتدخل العسكري للناتو في ليبيا. وطبقا لمصادر اسرائيلية ، كانت مراقبة الامم المتحدة UN Watch هي الجهة التي نسَّقت الاحداث في جنيف لاخراج ليبيا من مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة ، والطلب من مجلس الامن للتدخل. (3)
ترتبط مراقبة الامم المتحدة رسميا مع اللجنة اليهودية الامريكية AJC والتي لها اكبر الاثر في تشكيل السياسة الخارجية الامريكية وهي جزء من اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة. أما الاتحاد العالمي لحقوق الانسان FIDH الذي ساعد في اطلاق مزاعم غير مؤكدة من قتل القذافي لستة الاف من شعبه، فهو يرتبط ايضا باللوبي الاسرائيلي في فرنسا.
وكانت تل ابيب في تواصل مستمر مع كل من المجلس الانتقالي والحكومة الليبية في طرابلس. وكان عناصر الموساد في طرابلس ايضا، احدهم كان مدير محطة سابق. وفي نفس الوقت كان اعضاء فرنسيون من اللوبي الاسرائيلي يزورون بنغازي. وللمفارقة، كان المجلس الانتقالي يتهم العقيد القذافي بانه يعمل مع اسرائيل، في الوقت الذي كان المجلس يتعهد امام موفد ساركوزي الخاص برنار هنري ليفي بالاعتراف باسرائيل، من اجل ان ينقل ليفي هذه الرسالة الى القادة الاسرائيليين (4) .
نمط مشابه لروابط اسرائيل بالمجلس الانتقالي، جرى في جنوب السودن في المراحل الاولى حيث كانت اسرائيل تقدم السلاح.
ورغم موقف المجلس الانتقالي من اسرائيل، فإن اعضاءه مازالوا يحاولون شيطنة القذافي بالزعم انه "يهودي" في السر، وهذا يجانب الصواب وفي نفس الوقت، يعكس حالة من العنصرية، لإن هذه الاتهامات كان المقصود بها اغتيال شخصية القذافي باعتبار ان "اليهودي" كلمة مشينة.
في الواقع ان اسرائيل والناتو في خندق واحد. اسرائيل هي عضو في الناتو "بالامرالواقع". وحقيقة ان القذافي كان يتقرب من اسرائيل، في حين يعمل المجلس الانتقالي مع الناتو، يعني أن الناتو واسرائيل يحركان طرفين أحمقين ضد بعضهما البعض.

تهيئة رقعة الشطرنج لصدام الحضارات
في هذه النقطة ينبغي ان نجمع كل القطع ونضع النقاط على كل الحروف.
خارطة توضح توزيع الحضارات العالمية وتعكس نموذج صموئيل هتنغتون لصراع الحضارات
رقعة الشطرنج تهيأ لصدام الحضارات وكل قطع الشطرنج توضع في اماكنها. العالم العربي يحاصر ويعزل وترسم خطوط تقسيم حادة في دوله.
بموجب هذه الخطة، لن يكون هناك انتقال واندماج بين المجتمعات والدول. وهذا هو السبب في استهداف المسيحيين في الشرق الاوسط وشمال افريقيا كما يحدث مع الاقباط في مصر حاليا. وهذا هو السبب ان العرب السود والبربر السود والسكان الليبيون السود يتعرضون لمذبحة في شمال افريقيا.
مايجري تحضيره هو خلق منطقة (شرق اوسط مسلم) (ماعدا اسرائيل) ستكون في حالة صراع بسبب التقاتل السني الشيعي. وسيناريو مشابه يتم التحضير له لمنطقة (شمال افريقيا غير سوداء) ستتميز بالحروب بين العرب والبربر. وفي نفس الوقت وحسب نموذج (صدام الحضارات) سيكون الشرق الاوسط وشمال افريقيا في صراع مع ما يسمى (الغرب) و (افريقيا السوداء) .
هذا هو سبب تصريحات نيكولا ساركوزي في فرنسا وديفد كاميرون في بريطانيا عند بداية الصراع في ليبيا بأن التعددية الثقافية ماتت في مجتمعاتهما الاوروبية الغربية. (5)
إن التعددية الثقافية تهدد شرعية أجندة حرب الناتو. كما انها تشكل عائقا لتنفيذ صدام الحضارات الذي يعتبر حجر الزاوية في السياسة الخارجية الامريكية .
وحول هذا الشأن، يوضح زبغينيو بريجنسكي مستشار الامن القومي الأميركي الأسبق سبب كون التعددية الثقافية خطرا على واشنطن وحلفائها بقوله "كلما زاد تحول امريكا الى مجتمع متعدد الثقافات، ستجد صعوبة في تشكيل رأي عام موحد على قضايا السياسة الخارجية ، مثلا الحرب مع العالم العربي أو الصين أو ايران او روسيا والاتحاد السوفيتي السابق، ماعدا في ظروف وجود خطر خارجي مباشر وهائل. ومثل هذا الإجماع حدث خلال الحرب العالمية الثانية وحتى اثناء الحرب الباردة (والان بسبب الحرب الكونية على الارهاب). (6)
والجملة التالية لبريجنسكي هي التي توضح سبب رفض الشعوب او تأييدها للحروب "الإجماع كان متجذرا، على اية حال، ليس فقط في القيم الديموقراطية المشتركة التي احس الرأي العام انها تتعرض للتهديد ولكن ايضا في التقارب الثقافي والعرقي للاوروبيين الذين شعروا انهم  ضحايا دكتاتوريات معادية."(7)
نموذج صموئيل هتنغتون لصراع الحضارات بحسب الاثنيات

واكرر ثانية ، من اجل منع هذا التقارب العرقي والثقافي بين الشرق الاوسط/ شمال افريقيا وما يسمى (العالم الغربي) و(افريقيا جنوب الصحراء الكبرى)، يستهدف المسيحيون والناس السود في هذه المنطقة.

العرقية والايديولوجية: تبرير "الحروب العادلة" المعاصرة
في الماضي كانت القوى الاستعمارية لأوروبا الغربية تلقن شعوبها، بهدف الحصول على الدعم للغزو الاستعماري. كان هذا يأخذ شكل نشر المسيحية وترويج القيم المسيحية بدعم من التجار المسلحين والجيوش الاستعمارية. في نفس الوقت كانت تنشر الايديولوجيات العنصرية، حيث كانت تصور شعوب الاراضي المحتلة على انهم اقل شأنا من البشر. وكان الخطاب الدعائي يدور حول "مسؤولية الرجل الأبيض" للقيام  بحملة تمدين (الشعوب غير المتحضرة في العالم) وكان هذا الاطار الايديولوجي يستخدم لتصوير الاستعمار على انه (قضية عادلة) وشرعية طالما انها تهدف الى تمدين الشعوب البدائية.
اليوم لم تتغير الخطط الامبريالية للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا، ماتغير هو الحجة والتبرير لشن حروب استعمارية جديدة وغزو البلاد.
خلال الفترة الكولونيالية كان الخطاب والتبريرات لشن الحرب يقبلها الرأي العام في بلاد المستعمرين مثل بريطانيا وفرنسا. اليوم تشن (الحروب العادلة) (والقضايا العادلة) تحت رايات حقوق المرأة وحقوق الانسان والتدخلات الانسانية والديمقراطية.


*مهدي داريوس ناظم رؤية، عالم اجتماع وباحث في مركز بحث العولمة في مونتريال مدينة بكندا.  متخصص في شؤون الشرق الاوسط ووسط اسيا.    

هوامش:
[1] The Economist, "Israel and Iran in Africa: A search for allies in a hostile world," February 4, 2011.
[2] Ibid.
[3] Tova Lazaroff, "70 rights groups call on UN to condemn Tripoli," Jerusalem Post, February 22, 2011.
[4] Radio France Internationale, "Libyan rebels will recognise Israel, Bernard-Henri Lévy tells Netanyahu," June 2, 2011.
[5] Robert Marquand,"Why Europe is turning away from multiculturalism," Christian Science Monitor, March 4, 2011.
[6] Zbigniew Brzezinski, The Grand Chessboard: American Primacy and Its Geostrategic Imperatives (New York: Basic Books October 1997), p.211
[7] Ibid.

ملاحظة:
نشرت المقالة باللغة الانجيليزية هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة خلال 30 يوما