هذا أحد المقالات التي ترجمتها ونشرتها في موقع (دورية العراق) الذي كنت أديره منذ 2003 حتى 2009 تقريبا. وبعدها اضطررت الى إغلاقه لعدم تمكني من الاستمرار فيه فنيا وماديا بعد أن تم تخريبه عدة مرات. كانت المقالات التي أترجمها إما اضع اسمي الصريح عليها أو اكتب (ترجمة دورية العراق) ، وهذا أحدها. مايزال منشورا على بعض المواقع ومنه (النهى) هنا.
بقلم لورا روزن
ترجمة دورية العراق
كيف استطاع رئيس موساد سابق وجاسوس الماني و حفنة من جماعات الضغط الامريكيين من اصحاب الشركات مساعدة كردستان في الاستيلاء على 15 طن من الدولارات فئة 100 وعلى السلاح والتدريب والحظوة والحماية !!!
في حزيران 2004 نشر الصحفي سيمور هيرش في مجلة نيويوركر بأن الاسرائيليين العاملين في شمال العراق تحت قناع رجال اعمال كانوا في الحقيقة يهيئون عملاءهم الاكراد لتجميع معلومات استعدادا لضربة محتملة ضد ايران . وفي نفس الوقت كنت انا ايضا اسمع عن الاسرائيليين العاملين في المنطقة الكردية العراقية. اولا من دبلوماسي امريكي كبير سابق دعي من قبل رجل اعمال اسرائيلي امريكي لتقديم الاستشارة الى الاكراد حول كيفية الحصول على بلايين الدولارات التي يعتقدون انها بقية حصتهم من برنامج النفط مقابل الغذاء ايام صدام حسين . واعطاني الدبلوماسي اسم الاسرائيلي وهو شلومي مايكلز shlomi michals (يكتب ايضا Shlomo Michaels) وارقام هواتف مايكلز في بيفرلي هيلز وفي تركيا واسرائيل . وقد انصرف الدبلوماسي من المشروع بعد ان ازعجه طبع مايكلز الناري و كذلك بسبب شكوكه حول اهداف مايكلز الحقيقية والمراجع التي يعمل لخدمتها فعلا .
ولهذا شعرت بالفضول حين قرأت في الصيف الماضي في الصحيفة الاسرائيلية هآرتز بأن شلومي مايكلز اصبح مدار تحقيق الحكومة الاسرائيلية بتهمة العمل في العراق بدون ترخيص من السلطات الاسرائيلية. ليس اني طوال سنتين كنت اسمع مايكلز فحسب، وانما لأني ايضا قضيت سنتين اخريين احاول ان افهم اذا كان صقور ادارة بوش يتبنون سياسة تغيير النظام ضد ايران حيث يعتقدون بان الحل لطموحات ايران النووية هو تشجيع انتفاضات جماهيرية للاقليات الاثنية وجماعات المعارضة مثل الاكراد .
وفي معظم ايام العام الماضي حاولت ان اتعقب قصة عمليات شلومي مايكلز في كردستان وعلاقاته في اسرائيل والولايات المتحدة وحول العالم . وقد اخذتني تحقيقاتي الى اسرائيل في اوائل الخريف الماضي بعد الحرب الاسرائيلية مع حزب الله ، من اجل الحديث مع المسؤولين الاسرائيليين الذين يحققون في قضية مايكلز وكذلك مع واحد من اقدم شركاء مايكلز الامريكان و شريك مايكلز رئيس الموساد السابق داني ياتوم .
ماوجدته لم يكن القصة التي توقعتها . بدلا من العثور ما يؤكد ان مايكلز هو جزء من عملية سرية لتنصيب عملاء ضد ايران في المنطقة الكردية من العراق ، اكتشفت بأن مايكلز وشركاءه كانوا جزءا من محاولة من الاكراد وحلفائهم من اجل الضغط على الغرب للحصول على سلطة اكبر في العراق وحظوة اكبر في واشنطن. وفي نفس الوقت من قبل مجموعة من المسؤولين الامنيين السابقين الاسرائيليين من اجل احياء العلاقات الطيبة مع حلفائهم التاريخيين الاكراد من خلال بنى تحتية مشتركة وتطوير اقتصادي ومشاريع امنية . بتعبير اخر كانت القصة تتعلق ببناء النفوذ وشراء الاشخاص والربح مثل رواية باجزاء متساوية من حبكات الروائيين جون لي كاري وكيستون كوبس وكادر من الممثلين يتراوح من رئيس الموساد السابق ياتوم الى جاسوس الماني كبير وكوماندوز اسرائيليين و العائلات الكردية السياسية وجماعات الضغط الامريكية القوية وعمالقة رجال الاعمال الاتراك ، كلهم في رواية واحدة – ناهيك عن ملايين الدولارات التي تضخ في حسابات البنوك السويسرية.
قابلني ياتوم في صالون شيراتون تل ابيب في الساعة السابعة والنصف من صباح يوم أحد وهو بداية ايام الاسبوع في اسرائيل . وكان رئيس الموساد السابق والذي تحول الى عضو برلمان عن حزب العمل في طريقه الى مكتبه في الكنيست بعد توقف قصير في صالة الجيم، يرتدي قميصا ابيض وبنطلون جينز اسود . وتكلم بصراحة حول علاقة العمل التي تربطه بشلومي مايكلز والمشروع الكردي الذي يعملان عليه . مشيرا الى انه لم يعد جزءا من عمليات ذلك المشروع بعد ان انتخب في الكنيست عام 2003 وقد وضع كل مصالحه المالية في وديعة كما يفرض القانون الاسرائيلي .
قال ياتوم بأن من قدمه مع مايكلز الى اللاعبين الاكراد الكبار هو مسؤول استخبارات اوربي لم يشأ ان يذكر اسمه ولكن الحوارات مع شركائه كشفت انه بيرند شميدبور وهو رئيس استخبارات المانيا الغربية في التسعينات واسمه الحركي (008) بسبب مغامراته الاستخباراتية خلال اواخر ايام الحرب الباردة ، ولكن شميدبور وهو الان عضو في البرلمان الالماني – لم يرد على العديد من رسائلي التي تركتها في مكاتبه في برلين وهايدلبرج.
وكذلك تهرب شلومي مايكلز رغم الرسائل التي تركت في العديد من مقرات سكناه . وهو يبلغ من العمر اثنين وخمسين عاما وطوله ستة اقدام وقوامه مثل بنيان مرصوص بالطابوق ورأسه حليق على طراز الكوماندوز ويحمل الحزام الاسود في الكراتيه . وكان يقسم وقته بين اسرائيل والولايات المتحدة وسويسرا وتركيا وكردستان. و ضابط مكافحة الارهاب رفيع المستوى هذا الذى تحول الى رجل اعمال ومليونير ، لديه صلات جيدة في تل ابيب وواشنطن ونيويورك حيث كان يلقي دروسا في مكافحة الارهاب بجامعة كولومبيا عام 2003. ولبعض الوقت طبقا لأحد مصادري ، كانت لديه شركة استشارات امنية في لوس انجيلس.
حين كانت الولايات الامريكية تحضر لغزو العراق وجد مايكلز في ذلك فرصة. وطبقا لشركائه في العمل وكذلك السجلات العامة وتقارير وسائل الاعلام الاسرائيلية ، اتصل بمعارف في واشنطن ساعيا الى الحصول على جماعات ضغط قوية لمساعدة الاكراد في الحصول على حصة اكبر من اموال برنامج النفط مقابل الغذاء . وهو صندوق اقامته الامم المتحدة في 1995 لاستخدام عوائد نفط العراق لتوفير المستلزمات الانسانية للعراقيين خلال فترة العقوبات الاقتصادية الدولية على العراق . خلال حكم صدام حسين كانت حصة الاكراد من الصندوق هي 13% وهناك 4 بلايين دولار تعود لكردستان وبعض المسؤولين الاكراد يقولون انها خمسة ملايين ونصف . وقد نشرت صحيفة لوس انجيليس تايمز في اواخر حزيران 2004 بان بول بريمر قبل خمسة ايام من تسليم (السيادة) الى العراقيين ومغادرة العراق ، قد امر بنقل ماقيمته 1.4 بليون دولار في فئات 100 دولار الى كردستان بثلاث مروحيات عسكرية امريكية ، وكان هذا حسبته من حصة الاكراد في صندوق النفط مقابل الغذاء ولكن الاكراد واصدقاءهم يعتقدون ان من حقهم بضعة بلايين اخرى . كان المبلغ كبيرا جدا (15 طنا) بحيث لم يكن هناك أي بنك يمكن ايداعه فيه .
وأثناء انهماك شلومي بمساعدة الاكراد في الاتصال بجماعات الضغط من اجل الحصول على المزيد من الاموال ، كان في نفس الوقت يساعد نفسه بحصة من اموال العراق . قبل عام من غزو العراق ، اسس ياتوم ومايكلز شركة استشارات استثمارية وامنية باسم انتروب جروب (اختصارا لمجموعة العمليات الدولية) وقد حققت ملاييين الدولارات في كردستان العراق. والاستثمار الرئيسي لمايكلز في العراق هي شركة مشتركة اسمها (منظمة التطوير الكردية) او (كودو KUDO ) ويصف مصدر امريكي كودو بأنها مشروع مشترك بين شركة مايكلز وجماعة البرزاني . وطبقا لمصدر امريكي آخر (والذي ذكر اخبارا مختلفة في بعض الاوقات) فإن كودو هي مشروع بين مايكلز وشميدبور وياتوم واعضاء من عائلة البرزاني . وطبقا لهذا المصدر تخدم كودو كحلقة وصل خدمية عامة بين الحكومة الاقليمية الكردية ومقاولين لمشروع قيمته 300 مليون دولار لبناء مطار دولي جديد في اربيل . والمقاول الرئيسي في مشروع المطار هو شركة تركية اسمها ماك يول . وشركة ثالثة لمايكلز اسمها كولوسيوم للاستشارات coloseum consulting مسجلة في سويسرا كشركة مرتبطة بشركة انتروب طبقا لسجل الشركات الفيدرالي السويسري.
وهناك اعمال اكثر سرية كما تقول صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية قام بها مايكلز حيث جلب ضباطا اسرائيليين سابقين لتدريب قوات الامن الكردية على مجابهة (الارهاب) في معسكر سري في العراق اسمه (كامب زد camp z ) . وتقول المصادر ان هذه المقاولة كانت رخيصة مقابل بضعة ملايين الدولارات وان مايكلز التزمها من منطلق صداقته لوزير الداخلية الكردي آنذاك كريم سنجاري ولأن الاكراد كانوا يواجهون خطر القاعدة .
مهما كانت الاسباب فإن تنفيذ مشروع كامب زد تسبب في مشاكل . في عام 2004 وطبقا لتقارير اعلامية اسرائيلية ، جلب فريق مايكلز عشرات من المحاربين القدماء الاسرائيليين من خلال الحدود التركية الكردية وكانوا يسافرون بجوازات سفر اسرائيلية انتبهت لها انقرة . وسرعان ما شعرت الحكومة التركية بالقلق من تحرك عناصر عسكرية اسرائيلية الى شمال العراق بزعم انهم خبراء زراعيون وماشابه . ووصلت القصة الى اسرائيل التي تحظر على مواطنيها التعامل مع العراق بدون تصريح حكومي واضح . وقال لي المتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية مارك ريجيف " هناك حالة حرب معلنة بين اسرائيل والعراق . ولهذا لايجوز قانونا للمواطنين الاسرائيليين زيارة العراق . ونحن نتأمل ان يتغير ذلك يوما ما ." ولكن طالما ان الوضع لم يتغير ، فإن اخبار عملية مايكلز اثارت ضجة ومما زاد الطين بلة الصراعات بين مايلكز وشركائه حول المال. وقد ذهب احد موظفيه الاسرائيليين المتذمرين الى الصحافة الاسرائيلية في خريف 2005 وكشف بالوثائق والصور مدى تورط مايكلز في كردستان.
وقد اثارت الاخبار جدلا حيث ان العمليات الاسرائيلية هي دائما مصدر للقلق في المنطقة وقد ادت الى تحقيقين منفصلين قامت بهما الحكومة الاسرائيلية. وقاد الكشف الى مغادرة معظم الاسرائيليين العاملين مع مايكلز من شمال العراق. (وقد صب النار على البنزين تحقيقات سيمور هيرش في 2004 في صحيفة نيويوركر الذي قال فيها ان اسرائيل ترسم (الخطة ب) للعراق والتي تتضمن تدريب كوماندوز اكراد واستخدامهم لاختراق ايران وسوريا) . واحد هذه التحقيقات التي اجراها وزير الدفاع الاسرائيلي للبحث عن سبب عدم الحصول على تصاريح تصدير لمعدات الدفاع والاتصالات الاسرائيلية التي تم بيعها في شمال العراق ، حولت الى الشرطة الاسرائيلية " التي ستستمر في التحقيق فيها حسبما يتطلب الامر " كما اخبرني متحدث الشرطة ميكي روزنفلد في رسالة بعثها لي في الخريف الماضي.
ويعتبر المتشككون ان التحقيق هو حركة علاقات عامة موجهة للاتراك الذين تسعى اسرائيل للابقاء على علاقات طيبة معهم ، والاتراك يعارضون تسليح الاكراد على حدودهم . وفي الواقع كا يقول دبلوماسي امريكي سابق "قال لي مايكلز .. ان لديه مصادقة واضحة من الحكومة الاسرائيلية " للانشطة التي يقوم بها في شمال العراق. "ما يحاولون فعله هو ايجاد نفوذ لهم في المنطقة الكردية "
لكن ممثل الحكومة الكردية في واشنطن (قباذ طلباني ) ابن جلال طالباني ، والذي كانت عائلته الخصم التاريخي لشركاء مايكلز من عشيرة البرزاني ، يصر على ان هذا النشاط لايتضمن أي مفهوم جيوبولوتيكي . في مقابلة في مكتبه قال قباذ بان انشطة التنمية الاسرائيلية في كردستان هي "انشطة قطاع خاص . وكردستان مفتوحة للاستثمار".
وحين رافقني قباذ طلباني وانا اغادر مكتبه ، مررنا بلوحة كبيرة تعلن عن رحلات خطوط جوية نمساوية مرتين في الاسبوع من فينا الى اربيل ، وهو موقع مشروع مطار مايكلز – وأربيل مدينة تضم 990000 من السكان قال قباذ "سنكون بوابة العراق ".
الكثير من غير الاكراد يحبون تقديم المساعدة والحصول على شيء من الارباح في نفس الوقت. وطبقا لسجلات جماعات الضغط فإن شركة ذات صلات جيدة بالبيت الابيض هي باربور جريفيث وروجرز حصلت على 800 الف دولار من متابعة مصالح الحكومة الاقليمية الكردية منذ 2004 . وقبل الاستعانة بالشركة ، كما يقول مصدران امريكيان ، طلب مايكلز من جاك ابراموف * ان يتولى تمثيل مصالح الاكراد لدى الادارة الامريكية ولكن المناقشات لم تتجاوز مراحلها الاولى .
راسل ولسن وهو مسؤول سابق في لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب والذي ساهم في تقديم النصح للاكراد حول تمثيل واشنطن والذي كان مسؤولا في شركة انتروب ، يلاحظ ان كردستان لديها اشياء كثيرة يفتقر اليها بقية العراق "انها آمنة وغنية جغرافيا وهي ملامح تشمل الكثير من احتياطي النفط والغاز الطبيعي الذي لم يستكشف بعد كما ان الناس في شدة اللطف" ويقول ولسن انه هو الذي اوصى في ربيع 2004 بان يستعين الاكراد بالمديرالسياسي في البيت الابيض ايام بوش الاول ايد روجرز من شركة باربور جريفيث وروجرز ليكون لوبي الضغط الخاص بهم في واشنطن.
في النهاية ، قد تكون انشطة ياتوم ومايكلز ، مثل أي من مصالح امريكا السرية ، شاهدا على مهارة الاكراد في ادارة اللعب والبراغماتية والانتهازية – وهي غرائز هذبت الى افضل اشكالها من قبل قوم أتقنوا - بسبب عدم وجود حلفاء دائميين لهم - استغلال اعداء اعدائهم .
وقد اخبرني الرئيس السابق لمحطة الموساد في اربيل اليعازر جيزي تسافرير بأن الاكراد مثل الاسرائيليين يعتبرون انفسهم تاريخيا شعبا بدون دولة تحيطهم شعوب معادية . وفي الماضي حين عمل تسافرير في اربيل ، ساهم في اقامة جهاز استخبارات كردي بالتعاون مع مصطفى البرزاني ويقول في ذلك "جاء الينا الاكراد قائلين بانه ليس لديهم من يساعدهم في العالم ، وان شعبنا جرب المعاناة ايضا وقد قدمنا لهم المدافع والبنادق ومدافع مضادة للطائرات ، كل انواع المعدات وحتى ضغطنا من اجلهم . ان التعاون والتعاطف بيننا سوف يستمر للاجيال القادمة " (في محكمة الانفال كانوا يسألون البيشمركة الشهود من اين لكم بالسلاح كانوا يقولون : ما نحرزه من الجنود العراقيين !!- المترجمة )
---
* جاك ابراموف من جماعات اللوبي السياسي وهو من الحزب الجمهوري ورجل اعمال وشخصية رئيسية في عدة فضائح سياسية. حكم عليه في 3/1/2006 بثلاث جرائم اعترف بها وهي تتعلق بالنصب على قبائل الهنود الحمر الامريكية والفساد والتآمر والتهرب من الضرائب وكانت العقوبة 5 سنوات سجن و10 اشهر . وقد ابعد جورج بوش نفسه عنه وانكر صلاته القوية به . تصوروا انه عضو مؤسس في (مؤسسة الحرية الدولية ) وهي من مؤسسات الفكر المناهض للشيوعية وكانت تعمل منذ 1986 الى 1993 وعمل ايضا مديرا للمركز الدولي لبحوث السياسة و منظمة دينية يمينية اسمها (نحو التراث) اضافة الى شركاته الخاصة - الدورية
** نشرت المقالة الأصلية في mother jones بتاريخ 12/4/2007
* الصورة المصاحبة للموضوع ، صورة نادرة للكوماندوز الصهاينة مع البيشمركة في شمال العراق
دورية العراق
بقلم لورا روزن
ترجمة دورية العراق
كيف استطاع رئيس موساد سابق وجاسوس الماني و حفنة من جماعات الضغط الامريكيين من اصحاب الشركات مساعدة كردستان في الاستيلاء على 15 طن من الدولارات فئة 100 وعلى السلاح والتدريب والحظوة والحماية !!!
في حزيران 2004 نشر الصحفي سيمور هيرش في مجلة نيويوركر بأن الاسرائيليين العاملين في شمال العراق تحت قناع رجال اعمال كانوا في الحقيقة يهيئون عملاءهم الاكراد لتجميع معلومات استعدادا لضربة محتملة ضد ايران . وفي نفس الوقت كنت انا ايضا اسمع عن الاسرائيليين العاملين في المنطقة الكردية العراقية. اولا من دبلوماسي امريكي كبير سابق دعي من قبل رجل اعمال اسرائيلي امريكي لتقديم الاستشارة الى الاكراد حول كيفية الحصول على بلايين الدولارات التي يعتقدون انها بقية حصتهم من برنامج النفط مقابل الغذاء ايام صدام حسين . واعطاني الدبلوماسي اسم الاسرائيلي وهو شلومي مايكلز shlomi michals (يكتب ايضا Shlomo Michaels) وارقام هواتف مايكلز في بيفرلي هيلز وفي تركيا واسرائيل . وقد انصرف الدبلوماسي من المشروع بعد ان ازعجه طبع مايكلز الناري و كذلك بسبب شكوكه حول اهداف مايكلز الحقيقية والمراجع التي يعمل لخدمتها فعلا .
ولهذا شعرت بالفضول حين قرأت في الصيف الماضي في الصحيفة الاسرائيلية هآرتز بأن شلومي مايكلز اصبح مدار تحقيق الحكومة الاسرائيلية بتهمة العمل في العراق بدون ترخيص من السلطات الاسرائيلية. ليس اني طوال سنتين كنت اسمع مايكلز فحسب، وانما لأني ايضا قضيت سنتين اخريين احاول ان افهم اذا كان صقور ادارة بوش يتبنون سياسة تغيير النظام ضد ايران حيث يعتقدون بان الحل لطموحات ايران النووية هو تشجيع انتفاضات جماهيرية للاقليات الاثنية وجماعات المعارضة مثل الاكراد .
وفي معظم ايام العام الماضي حاولت ان اتعقب قصة عمليات شلومي مايكلز في كردستان وعلاقاته في اسرائيل والولايات المتحدة وحول العالم . وقد اخذتني تحقيقاتي الى اسرائيل في اوائل الخريف الماضي بعد الحرب الاسرائيلية مع حزب الله ، من اجل الحديث مع المسؤولين الاسرائيليين الذين يحققون في قضية مايكلز وكذلك مع واحد من اقدم شركاء مايكلز الامريكان و شريك مايكلز رئيس الموساد السابق داني ياتوم .
ماوجدته لم يكن القصة التي توقعتها . بدلا من العثور ما يؤكد ان مايكلز هو جزء من عملية سرية لتنصيب عملاء ضد ايران في المنطقة الكردية من العراق ، اكتشفت بأن مايكلز وشركاءه كانوا جزءا من محاولة من الاكراد وحلفائهم من اجل الضغط على الغرب للحصول على سلطة اكبر في العراق وحظوة اكبر في واشنطن. وفي نفس الوقت من قبل مجموعة من المسؤولين الامنيين السابقين الاسرائيليين من اجل احياء العلاقات الطيبة مع حلفائهم التاريخيين الاكراد من خلال بنى تحتية مشتركة وتطوير اقتصادي ومشاريع امنية . بتعبير اخر كانت القصة تتعلق ببناء النفوذ وشراء الاشخاص والربح مثل رواية باجزاء متساوية من حبكات الروائيين جون لي كاري وكيستون كوبس وكادر من الممثلين يتراوح من رئيس الموساد السابق ياتوم الى جاسوس الماني كبير وكوماندوز اسرائيليين و العائلات الكردية السياسية وجماعات الضغط الامريكية القوية وعمالقة رجال الاعمال الاتراك ، كلهم في رواية واحدة – ناهيك عن ملايين الدولارات التي تضخ في حسابات البنوك السويسرية.
قابلني ياتوم في صالون شيراتون تل ابيب في الساعة السابعة والنصف من صباح يوم أحد وهو بداية ايام الاسبوع في اسرائيل . وكان رئيس الموساد السابق والذي تحول الى عضو برلمان عن حزب العمل في طريقه الى مكتبه في الكنيست بعد توقف قصير في صالة الجيم، يرتدي قميصا ابيض وبنطلون جينز اسود . وتكلم بصراحة حول علاقة العمل التي تربطه بشلومي مايكلز والمشروع الكردي الذي يعملان عليه . مشيرا الى انه لم يعد جزءا من عمليات ذلك المشروع بعد ان انتخب في الكنيست عام 2003 وقد وضع كل مصالحه المالية في وديعة كما يفرض القانون الاسرائيلي .
قال ياتوم بأن من قدمه مع مايكلز الى اللاعبين الاكراد الكبار هو مسؤول استخبارات اوربي لم يشأ ان يذكر اسمه ولكن الحوارات مع شركائه كشفت انه بيرند شميدبور وهو رئيس استخبارات المانيا الغربية في التسعينات واسمه الحركي (008) بسبب مغامراته الاستخباراتية خلال اواخر ايام الحرب الباردة ، ولكن شميدبور وهو الان عضو في البرلمان الالماني – لم يرد على العديد من رسائلي التي تركتها في مكاتبه في برلين وهايدلبرج.
وكذلك تهرب شلومي مايكلز رغم الرسائل التي تركت في العديد من مقرات سكناه . وهو يبلغ من العمر اثنين وخمسين عاما وطوله ستة اقدام وقوامه مثل بنيان مرصوص بالطابوق ورأسه حليق على طراز الكوماندوز ويحمل الحزام الاسود في الكراتيه . وكان يقسم وقته بين اسرائيل والولايات المتحدة وسويسرا وتركيا وكردستان. و ضابط مكافحة الارهاب رفيع المستوى هذا الذى تحول الى رجل اعمال ومليونير ، لديه صلات جيدة في تل ابيب وواشنطن ونيويورك حيث كان يلقي دروسا في مكافحة الارهاب بجامعة كولومبيا عام 2003. ولبعض الوقت طبقا لأحد مصادري ، كانت لديه شركة استشارات امنية في لوس انجيلس.
حين كانت الولايات الامريكية تحضر لغزو العراق وجد مايكلز في ذلك فرصة. وطبقا لشركائه في العمل وكذلك السجلات العامة وتقارير وسائل الاعلام الاسرائيلية ، اتصل بمعارف في واشنطن ساعيا الى الحصول على جماعات ضغط قوية لمساعدة الاكراد في الحصول على حصة اكبر من اموال برنامج النفط مقابل الغذاء . وهو صندوق اقامته الامم المتحدة في 1995 لاستخدام عوائد نفط العراق لتوفير المستلزمات الانسانية للعراقيين خلال فترة العقوبات الاقتصادية الدولية على العراق . خلال حكم صدام حسين كانت حصة الاكراد من الصندوق هي 13% وهناك 4 بلايين دولار تعود لكردستان وبعض المسؤولين الاكراد يقولون انها خمسة ملايين ونصف . وقد نشرت صحيفة لوس انجيليس تايمز في اواخر حزيران 2004 بان بول بريمر قبل خمسة ايام من تسليم (السيادة) الى العراقيين ومغادرة العراق ، قد امر بنقل ماقيمته 1.4 بليون دولار في فئات 100 دولار الى كردستان بثلاث مروحيات عسكرية امريكية ، وكان هذا حسبته من حصة الاكراد في صندوق النفط مقابل الغذاء ولكن الاكراد واصدقاءهم يعتقدون ان من حقهم بضعة بلايين اخرى . كان المبلغ كبيرا جدا (15 طنا) بحيث لم يكن هناك أي بنك يمكن ايداعه فيه .
وأثناء انهماك شلومي بمساعدة الاكراد في الاتصال بجماعات الضغط من اجل الحصول على المزيد من الاموال ، كان في نفس الوقت يساعد نفسه بحصة من اموال العراق . قبل عام من غزو العراق ، اسس ياتوم ومايكلز شركة استشارات استثمارية وامنية باسم انتروب جروب (اختصارا لمجموعة العمليات الدولية) وقد حققت ملاييين الدولارات في كردستان العراق. والاستثمار الرئيسي لمايكلز في العراق هي شركة مشتركة اسمها (منظمة التطوير الكردية) او (كودو KUDO ) ويصف مصدر امريكي كودو بأنها مشروع مشترك بين شركة مايكلز وجماعة البرزاني . وطبقا لمصدر امريكي آخر (والذي ذكر اخبارا مختلفة في بعض الاوقات) فإن كودو هي مشروع بين مايكلز وشميدبور وياتوم واعضاء من عائلة البرزاني . وطبقا لهذا المصدر تخدم كودو كحلقة وصل خدمية عامة بين الحكومة الاقليمية الكردية ومقاولين لمشروع قيمته 300 مليون دولار لبناء مطار دولي جديد في اربيل . والمقاول الرئيسي في مشروع المطار هو شركة تركية اسمها ماك يول . وشركة ثالثة لمايكلز اسمها كولوسيوم للاستشارات coloseum consulting مسجلة في سويسرا كشركة مرتبطة بشركة انتروب طبقا لسجل الشركات الفيدرالي السويسري.
وهناك اعمال اكثر سرية كما تقول صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية قام بها مايكلز حيث جلب ضباطا اسرائيليين سابقين لتدريب قوات الامن الكردية على مجابهة (الارهاب) في معسكر سري في العراق اسمه (كامب زد camp z ) . وتقول المصادر ان هذه المقاولة كانت رخيصة مقابل بضعة ملايين الدولارات وان مايكلز التزمها من منطلق صداقته لوزير الداخلية الكردي آنذاك كريم سنجاري ولأن الاكراد كانوا يواجهون خطر القاعدة .
مهما كانت الاسباب فإن تنفيذ مشروع كامب زد تسبب في مشاكل . في عام 2004 وطبقا لتقارير اعلامية اسرائيلية ، جلب فريق مايكلز عشرات من المحاربين القدماء الاسرائيليين من خلال الحدود التركية الكردية وكانوا يسافرون بجوازات سفر اسرائيلية انتبهت لها انقرة . وسرعان ما شعرت الحكومة التركية بالقلق من تحرك عناصر عسكرية اسرائيلية الى شمال العراق بزعم انهم خبراء زراعيون وماشابه . ووصلت القصة الى اسرائيل التي تحظر على مواطنيها التعامل مع العراق بدون تصريح حكومي واضح . وقال لي المتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية مارك ريجيف " هناك حالة حرب معلنة بين اسرائيل والعراق . ولهذا لايجوز قانونا للمواطنين الاسرائيليين زيارة العراق . ونحن نتأمل ان يتغير ذلك يوما ما ." ولكن طالما ان الوضع لم يتغير ، فإن اخبار عملية مايكلز اثارت ضجة ومما زاد الطين بلة الصراعات بين مايلكز وشركائه حول المال. وقد ذهب احد موظفيه الاسرائيليين المتذمرين الى الصحافة الاسرائيلية في خريف 2005 وكشف بالوثائق والصور مدى تورط مايكلز في كردستان.
وقد اثارت الاخبار جدلا حيث ان العمليات الاسرائيلية هي دائما مصدر للقلق في المنطقة وقد ادت الى تحقيقين منفصلين قامت بهما الحكومة الاسرائيلية. وقاد الكشف الى مغادرة معظم الاسرائيليين العاملين مع مايكلز من شمال العراق. (وقد صب النار على البنزين تحقيقات سيمور هيرش في 2004 في صحيفة نيويوركر الذي قال فيها ان اسرائيل ترسم (الخطة ب) للعراق والتي تتضمن تدريب كوماندوز اكراد واستخدامهم لاختراق ايران وسوريا) . واحد هذه التحقيقات التي اجراها وزير الدفاع الاسرائيلي للبحث عن سبب عدم الحصول على تصاريح تصدير لمعدات الدفاع والاتصالات الاسرائيلية التي تم بيعها في شمال العراق ، حولت الى الشرطة الاسرائيلية " التي ستستمر في التحقيق فيها حسبما يتطلب الامر " كما اخبرني متحدث الشرطة ميكي روزنفلد في رسالة بعثها لي في الخريف الماضي.
ويعتبر المتشككون ان التحقيق هو حركة علاقات عامة موجهة للاتراك الذين تسعى اسرائيل للابقاء على علاقات طيبة معهم ، والاتراك يعارضون تسليح الاكراد على حدودهم . وفي الواقع كا يقول دبلوماسي امريكي سابق "قال لي مايكلز .. ان لديه مصادقة واضحة من الحكومة الاسرائيلية " للانشطة التي يقوم بها في شمال العراق. "ما يحاولون فعله هو ايجاد نفوذ لهم في المنطقة الكردية "
لكن ممثل الحكومة الكردية في واشنطن (قباذ طلباني ) ابن جلال طالباني ، والذي كانت عائلته الخصم التاريخي لشركاء مايكلز من عشيرة البرزاني ، يصر على ان هذا النشاط لايتضمن أي مفهوم جيوبولوتيكي . في مقابلة في مكتبه قال قباذ بان انشطة التنمية الاسرائيلية في كردستان هي "انشطة قطاع خاص . وكردستان مفتوحة للاستثمار".
وحين رافقني قباذ طلباني وانا اغادر مكتبه ، مررنا بلوحة كبيرة تعلن عن رحلات خطوط جوية نمساوية مرتين في الاسبوع من فينا الى اربيل ، وهو موقع مشروع مطار مايكلز – وأربيل مدينة تضم 990000 من السكان قال قباذ "سنكون بوابة العراق ".
الكثير من غير الاكراد يحبون تقديم المساعدة والحصول على شيء من الارباح في نفس الوقت. وطبقا لسجلات جماعات الضغط فإن شركة ذات صلات جيدة بالبيت الابيض هي باربور جريفيث وروجرز حصلت على 800 الف دولار من متابعة مصالح الحكومة الاقليمية الكردية منذ 2004 . وقبل الاستعانة بالشركة ، كما يقول مصدران امريكيان ، طلب مايكلز من جاك ابراموف * ان يتولى تمثيل مصالح الاكراد لدى الادارة الامريكية ولكن المناقشات لم تتجاوز مراحلها الاولى .
راسل ولسن وهو مسؤول سابق في لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب والذي ساهم في تقديم النصح للاكراد حول تمثيل واشنطن والذي كان مسؤولا في شركة انتروب ، يلاحظ ان كردستان لديها اشياء كثيرة يفتقر اليها بقية العراق "انها آمنة وغنية جغرافيا وهي ملامح تشمل الكثير من احتياطي النفط والغاز الطبيعي الذي لم يستكشف بعد كما ان الناس في شدة اللطف" ويقول ولسن انه هو الذي اوصى في ربيع 2004 بان يستعين الاكراد بالمديرالسياسي في البيت الابيض ايام بوش الاول ايد روجرز من شركة باربور جريفيث وروجرز ليكون لوبي الضغط الخاص بهم في واشنطن.
في النهاية ، قد تكون انشطة ياتوم ومايكلز ، مثل أي من مصالح امريكا السرية ، شاهدا على مهارة الاكراد في ادارة اللعب والبراغماتية والانتهازية – وهي غرائز هذبت الى افضل اشكالها من قبل قوم أتقنوا - بسبب عدم وجود حلفاء دائميين لهم - استغلال اعداء اعدائهم .
وقد اخبرني الرئيس السابق لمحطة الموساد في اربيل اليعازر جيزي تسافرير بأن الاكراد مثل الاسرائيليين يعتبرون انفسهم تاريخيا شعبا بدون دولة تحيطهم شعوب معادية . وفي الماضي حين عمل تسافرير في اربيل ، ساهم في اقامة جهاز استخبارات كردي بالتعاون مع مصطفى البرزاني ويقول في ذلك "جاء الينا الاكراد قائلين بانه ليس لديهم من يساعدهم في العالم ، وان شعبنا جرب المعاناة ايضا وقد قدمنا لهم المدافع والبنادق ومدافع مضادة للطائرات ، كل انواع المعدات وحتى ضغطنا من اجلهم . ان التعاون والتعاطف بيننا سوف يستمر للاجيال القادمة " (في محكمة الانفال كانوا يسألون البيشمركة الشهود من اين لكم بالسلاح كانوا يقولون : ما نحرزه من الجنود العراقيين !!- المترجمة )
---
* جاك ابراموف من جماعات اللوبي السياسي وهو من الحزب الجمهوري ورجل اعمال وشخصية رئيسية في عدة فضائح سياسية. حكم عليه في 3/1/2006 بثلاث جرائم اعترف بها وهي تتعلق بالنصب على قبائل الهنود الحمر الامريكية والفساد والتآمر والتهرب من الضرائب وكانت العقوبة 5 سنوات سجن و10 اشهر . وقد ابعد جورج بوش نفسه عنه وانكر صلاته القوية به . تصوروا انه عضو مؤسس في (مؤسسة الحرية الدولية ) وهي من مؤسسات الفكر المناهض للشيوعية وكانت تعمل منذ 1986 الى 1993 وعمل ايضا مديرا للمركز الدولي لبحوث السياسة و منظمة دينية يمينية اسمها (نحو التراث) اضافة الى شركاته الخاصة - الدورية
** نشرت المقالة الأصلية في mother jones بتاريخ 12/4/2007
* الصورة المصاحبة للموضوع ، صورة نادرة للكوماندوز الصهاينة مع البيشمركة في شمال العراق
دورية العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق