نشرت ترجمة المقالة لأول مرة في 18 آذار 2007
في مدونتي على موقع مكتوب، وكنت قد ترجمتها خصيصا لمجلة (وجهات نظر) المصرية. وربما قراءتها بعد (الربيع العربي) وصعود الاخوان المسلمين في عدة دول عربية تدعو للتأمل.
في الاشهر القليلة الماضية، ومع تدهور الوضع في العراق، اتخذت ادارة بوش، في دبلوماسيتها المعلنة و عملياتها السرية، مسارا جديدا مهما في ستراتجية سياستها في الشرق الاوسط. و"تحويل المسارRedirection" هذا وهي التسمية التي اطلقها احد مسئولي في البيت الابيض على الستراتيجية الجديدة ، قد دفع بالولايات المتحدة الى حافة مواجهة مكشوفة مع ايران ، وفي اجزاء من المنطقة ، تسبب في صراع طائفي آخذ في الاتساع بين المسلمين الشيعة والسنة.
ومن اجل اضعاف ايران، وفيها اغلبية شيعية، قررت ادارة بوش ان تعيد رسم اولوياتها في الشرق الاوسط. في لبنان، تعاون الادارة مع حكومة السعودية وهي سنية في عمليات سرية تهدف الى اضعاف حزب الله ، المنظمة الشيعية التي تدعمها ايران. كما شاركت الولايات المتحدة في عمليات سرية اخرى ضد ايران وحليفتها سوريا. والمنتج الثانوي لهذه الانشطة، كان تدعيم الجماعات السنية المتطرفة التي تؤمن برؤية جهادية للاسلام وهي معادية لامريكا ومتعاطفة مع القاعدة.
جانب التناقض في الستراتيجة الجديدة : يلاحظ انه في العراق، معظم عنف (المتمردين) (يستخدم الكاتب مفردات قاموس الاحتلال - المترجمة) الموجه الى الجيش الامريكي يأتي من القوى السنية وليس الشيعية. ولكن من منظور الادارة ، كان اهم نتيجة ستراتيجية مهمة – وغير مقصودة – للاحتلال، هي تمكين ايران . وقد تفوه رئيسها محمود احمدي نجاد بكلمات عنيفة حول تدمير اسرائيل وحول حق بلاده في متابعة برنامجها النووي وفي الاسبوع الماضي قال قائدها الديني الاعلى اية الله علي خامنئي في التلفزيون الحكومي بان "حقائق المنطقة تبين ان الجبهة المتعجرفة التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها سوف تكون الخاسر الرئيسي في المنطقة "
بعد أن جاءت ثورة 1979 بحكومة دينية الى السلطة، قاطعت الولايات المتحدة ايران واقامت علاقات اقوى مع قادة الدول العربية السنية مثل الاردن ومصر والسعودية. وقد اصبحت تلك الحسابات اكثر تعقيدا بعد هجمات 11 سبتمبر خاصة فيما يتعلق بالسعودية. القاعدة سنية وكثير من قياداتها جاءوا من الدوائر الدينية المتطرفة في السعودية. قبل غزو العراق في 2003، افترض مسؤولو الادارة تحت تأثير ايديولوجية المحافظين الجدد بأن حكومة شيعية في العراق يمكن ان تقدم توازنا مواليا للامريكان امام المتطرفين السنة وطالما ان الاغلبية الشيعية في العراق كانت مقهورة ايام حكم صدام حسين. وقد اهملوا تحذيرات دوائر المخابرات حول علاقات الزعماء الشيعة العراقيين وايران حيث عاش بعضهم سنوات النفي هناك. والان، لخيبة البيت الابيض، وطدت ايران علاقات وثيقة مع حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الشيعية.
السياسة الامريكية الجديدة ، بخطوطها العريضة، تمت مناقشتها علنيا. وفي شهادتها امام لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ قالت وزيرة الخارجية كونوليزا رايس بانه هناك (ستراتيجية جديدة في الشرق الاوسط) " لفصل "المعتدلين" عن "المتطرفين"، واشارت الى الدول السنية باعتبارها مراكز الاعتدال ، وقالت ان ايران وسوريا وحزب الله "على الجهة الاخرى من هذه القسمة " (الاغلبية السنية في سوريا تحكمها الطائفة العلوية) وقالت ان ايران وسوريا "اتخذتا خيارهما وهو اثارة القلاقل".
بعض التكتيكات الجوهرية لتغيير المسار، سرية على اية حال . وقد ابقي على العمليات السرية في الخفاء، في بعض الحالات، بإلقاء عبء التنفيذ او التمويل على السعوديين، او بإيجاد سبل اخرى للالتفاف حول عملية تخصيص الكونغرس، كما قال مسئولون مقربون من الادارة حاليون وسابقون.
وقد ابلغني عضو بارز في لجنة التخصيص في مجلس النواب بانه سمع عن هذه الستراتيجية الجديدة ولكنه شعر بانه هو وزملاؤه لم يتم اطلاعهم بشكل كاف. "ليس لدينا أي علم عن هذا. حين نسأل عما يجري يقولون لاشيء هناك، وحين نسأل اسئلة محددة يقولون "سوف نبلغكم " انه امر محبط"
اللاعبون الاساسيون في عملية تغيير المسار هم : نائب الرئيس ديك تشيني، ونائب مستشار الامن القومي اليوت ابرامز، والسفير في العراق المرشح لمندوبية الامم المتحدة زلماي خليل زاد والامير بندر بن سلطان مستشار الامن القومي السعودي. وفي حين ان رايس كانت مشاركة بعمق في تشكيل السياسة العلنية، فإن مسئولين سابقين وحاليين يقولون بان الجانب الخفي يديره تشيني. (رفض مكتب تشيني والبيت الابيض التعليق على هذا الخبر . ولم يرد البنتاغون على اسئلة محددة ولكن قال "الولايات المتحدة لا تخطط لشن الحرب على ايران")
لقد دفع التغير السياسي للادارة الامريكية بالسعودية واسرائيل الى علاقة ستراتيجية جديدة حميمة بينهما، ويرجع السبب الرئيسي في هذا الى ان الدولتين تريان في ايران خطرا مصيريا. وقد شاركا في محادثات مباشرة والسعوديون الذين يؤمنون بان استقرارا اكبر في اسرائيل وفلسطين سوف يحرم ايران من نفوذها في المنطقة، قد شاركوا في المزيد من المفاوضات العربية – الاسرائيلية.
الستراتيجية الجديدة "تغير مهم في السياسة الامريكية. تغير هائل" كما قال مستشار حكومي امريكي له صلات وثيقة مع اسرائيل واضاف "الدول السنية شعرت بالخطر من اكتساح شيعي وكان هناك غضب متصاعد من رهاننا على الشيعة المعتدلين في العراق . لايمكننا ان نغير المكاسب الشيعية في العراق ولكن نستطيع ان نحتويها "
يقول والي نصر وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية والذي كتب كثيرا عن الشيعة في ايران والعراق "يبدو ان هناك جدلا داخل الحكومة حول أيهما اخطر: ايران ام الاصوليون السنة ؟ وكان السعوديون والبعض في الادارة يجادلون بان ايران هي الاخطر وان الاصوليين السنة اقل عداء. وهذا نصر للخط السعودي".
مارتن اندايك المسئول الكبير في وزارة الخارجية بادارة كلنتون والذي عمل في منصب سفير اسرائيل يرى ان "الشرق الاوسط يتجه نحو حرب باردة سنية شيعية خطيرة " ويضيف اندايك وهو الان مدير مركز سابان (صبان) لسياسة الشرق الاوسط في مؤسسة بروكنجز Brookings Institution انه في رأيه لم يكن واضحا ما اذا كان البيت الابيض مدركا تماما للفحوى الاستراتيجية لسياسته الجديدة . "ان البيت الابيض لا يضاعف رهانه في العراق فقط وانما في كل المنطقة وهذا من شأنه ان يعقد الامور. كل شيء مقلوب رأسا على عقب."
تبدو سياسة الادارة الجديدة لاحتواء ايران وكأنها ستعقد ستراتيجية كسب الحرب في العراق. ويجادل باتريك كلوسون وهو خبير في الشؤون الايرانية ونائب مدير الابحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى ، بان العلاقات الاوثق بين الولايات المتحدة والسنة المعتدلين وحتى المتطرفين قد تخيف حكومة المالكي " وتجعله يشعر بالقلق من ان السنة يمكن ان ينتصروا فعليا في الحرب الاهلية هناك. يقول كلوسون بان هذا قد يعطي المالكي حافزا للتعاون مع الولايات المتحدة في قمع الميليشيات الشيعية الاصولية مثل جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر.
ومع ذلك ففي هذا الوقت تظل الولايات المتحدة معتمدة على تعاون القادة الشيعة العراقيين. قد يعلن جيش المهدي عداءه للمصالح الامريكية ولكن الميليشيات الشيعية الاخرى حليفة للامريكيين، وكلا من مقتدى الصدر والبيت الابيض يدعمان المالكي. وقد جاء في مذكرة كتبها في اواخر العام الماضي ستيفن هادلي ، مستشارالامن القومي ان الادارة تحاول فصل المالكي من حلفائه الشيعة الاكثر رادكالية ببناء قاعدة له بين السنة المعتدلين والاكراد ، ولكن حتى الان فان الأمور تتجه اتجاها معاكسا. وبينما يستمر الجيش العراقي الجديد في التخبط في مواجهاته مع (المتمردين) ، تتصاعد حثيثا قوة الميليشيات الشيعية .
قال لي فلاينت ليفريت وهو مسئول سابق في مجلس الامن القومي في ادارة بوش :" لا تجد صدفة اومفارقة في الستراتيجية الجديدة فيما يتعلق بالعراق. الادارة تحاول ان تبني قضية تبين ان ايران اخطر واكثر استفزازا للمصالح الامريكية في العراق من (المتمردين) السنة. في حين انك لما ترى ارقام الاصابات الحقيقية – تجد ان العقاب الذي يوقعه السنة بالامريكيين اعظم حجما. وهذا كله جزء من حملة استفزازات من اجل تصعيد الضغط على ايران . والفكرة انه في لحظة ما سوف يرد الايرانيون مما يضع بين ايدي الادارة مبرر لضربهم"
وقد اعلن الرئيس جورج بوش في خطاب في 10 يناير جزءا من هذه المقاربة حين قال "هذان النظامان: ايران وسوريا يسمحان للارهابيين والمتمردين باستخدام اراضيهما للتحرك من والى العراق. ايران تقدم الدعم المادي للهجمات على القوات الامريكية. سوف نعرقل الهجمات على قواتنا. سوف نوقف تدفق الدعم من ايران وسوريا. سوف نطارد وندمر الشبكات التي تقدم السلاح المتطور والتدريب لاعدائنا في العراق"
وفي الاسابيع التي تلت كان هناك موجة من الاتهامات من الادارة حول تورط ايراني في حرب العراق . في 11 فبراير، عرض على الصحفيين معدات تفجير مطورة وقد وقعت في ايدي القوات الامريكية في العراق ، و قالت الادارة انها جاءت من ايران . كان رسالة الادارة في جوهرها، ان الوضع الكئيب في العراق لم يكن بسبب فشلها في التخطيط والتنفيذ وانما بسبب تدخل ايران .
اعتقل الجيش الامريكي واستجوب مئات من الايرانيين في العراق . ويقول مسئول مخابرات بارز سابق "صدر امر في اغسطس الماضي للجيش ان يعتقل اكثر ما يمكن من الايرانيين في العراق. وفي مرحلة من المراحل كان في المعتقل حوالي خمسمائة ايراني. وقد حصلنا منهم بالتعذيب على معلومات . وهدف البيت الابيض بناء قضية بان الايرانيين يدعمون التمرد وانهم يقومون بذلك منذ البداية وان ايران في الواقع تدعم قتل الامريكان." واكد مستشار البنتاغون بان القوات الامريكية اعتقلت مئات الايرانيين في الاشهر الاخيرة ولكنه قال لي بان الرقم يشمل الكثير من عمال الاغاثة الايرانيين الذين اعتقلوا ثم اطلق سراحهم بعد استجوابهم .
في 2 فبراير اعلن روبرت جيتس وزير الدفاع الجديد "اننا لا نخطط لشن حرب على ايران"، ومع ذلك فإن اجواء المواجهة تصاعدت. وطبقا لمسئولي استخبارات وجيش حاليين وسابقين فإن عمليات سرية تجري في لبنان وايران في وقت متزامن. وقد صعدت فرق العمليات الخاصة والجيش الامريكي من عملياتهم في ايران لجمع معلومات استخباراتية طبقا لمستشار في البنتاغون لشؤون الارهاب ومسئول الاستخبارات البارز السابق ، وقد عبرت الحدود ايضا في مطاردة الجواسيس الايرانيين في العراق.
لدى ظهور رايس في مجلس الشيوخ في يناير، سألها قاصدا السناتور الديمقراطي جوزف بايدن من ديلاوير ما اذا كانت الولايات المتحدة تخطط لعبور الحدود الايرانية او السورية في خضم المطاردة . اجابت رايس "من الواضح ان الرئيس لن يستثني شيء من اجل حماية قواتنا ولكن الخطة هي تفكيك هذه الشبكات في العراق" واضافت " اعتقد ان الكل يدرك انني و الشعب الامريكي نفترض ان الكونغرس يتوقع من الرئيس ان يفعل ما يلزم لحماية قواتنا "
كانت اجابة مبهمة حفزت نائب نبراسكا السناتور تشاك هاجل وهو جمهوري طالما انتقد الادارة ، ان يقول :
" بعضنا يتذكر 1970 ياسيدتي الوزيرة . وتلك كانت كامبوديا. وحين كذبت ادارتنا على الشعب الامريكي وقالت "لم نعبر الحدود الى كامبوديا" كنا قد عبرناها في الواقع .
وانا اعرف شيئا عن ذلك مثل بعضنا في هذه اللجنة. ولهذا ياسيدتي الوزيرة ، حين تحركين هنا ذلك النوع من السياسة التي يتحدث عنها الرئيس، فإن هذا شيء في غاية الخطورة "
ان قلق الادارة من دور ايران في العراق يرافقه ذعر طويل المدى حول برنامج ايران النووي . وفي شبكة فوكس للاخبار في 14 يناير ، حذر تشيني من امكانية قد تتحقق في المستقبل القريب "لايران نووية قرب خزين العالم من البترول وستكون قادرة على التأثير السلبي على الاقتصاد الكوني ومستعدة لاستخدام منظمات ارهابية و /او اسلحتها النووية لتهديد جيرانها والاخرين حول العالم " . كما قال ايضا "اذا ذهبت وتحدثت مع دول الخليج او اذا تحدثت مع السعوديين او الاسرائيليين او الاردنيين ، كل المنطقة قلقة ... ان التهديد الذي تمثله ايران يتزايد"
تقوم الادارة حاليا بفحص موجة من المعلومات الاستخباراتية الجديدة حول برامج اسلحة ايران . وقد ابلغني مسئولون امريكان حاليون وسابقون بان المعلومات التي جاءت من العناصر الاسرائيلية العاملة في ايران بضمنها الزعم بان ايران طورت صاروخا يصل مداه الى اوربا ذا ثلاث مراحل وصلب الوقود و قادر على ايصال عدة رؤوس حربية صغيرة بدقة محدودة لكل منها . ومازال الجدل قائما حول صدقية هذه المعلومات الاستخبارية البشرية .
وقد كان هناك جدل مماثل حول الخطر الوشيك الذي تمثله اسلحة دمار شامل واسئلة حول دقة المعلومات التي استخدمت لصياغة تلك القضية التي شكلت تمهيدا لغزو العراق. وقد استقبل الكثيرون في الكونغرس هذه المزاعم حول ايران بحذر. في مجلس الشيوخ في 14 فبراير، قالت هيلاري كلنتون "لقد تعلمنا جميعا دروسا من الصراع في العراق، وعلينا تطبيق تلك الدروس على أي مزاعم تثار حول ايران . لأنه يا سيدي الرئيس ، ما نسمعه يدق جرسا مألوفا ويجب علينا الاحتراس لئلا نصدر قرارات مرة اخرى على اساس معلومات يتضح خطؤها فيما بعد".
وبالرغم من ذلك ، فإن البنتاغون ماض في التخطيط المكثف لقصف ايران بالقنابل ، وهو اجراء بدأ السنة الماضية بأمر الرئيس. في الاشهر الاخيرة ، اخبرني المسئول الاستخباراتي السابق بان مجموعة تخطيط خاصة قد تشكلت في مكاتب هيئة الاركان المشتركة ومهمتها رسم خطة طواريء لقصف ايران يمكن تنفيذها اذا امر الرئيس بذلك ، في خلال 24 ساعة .
في الشهر الماضي ، ابلغت من قبل مستشار في القوة الجوية لشؤون الاستهداف و مستشار في البنتاغون لشؤون الارهاب بان مجموعة تخطيط ايران قد تسلمت مهمة جديدة : تحديث الاهداف الايران المتورطة بدعم او مساعدة المقاتلين في العراق. وفيما سبق كان التركيز على تدمير المرافق النووية الايرانية وامكانية تغيير النظام.
وفي البحر العربي ، توجد الان حاملتا طائرات هي ايزنهاور وستينس . وهناك خطة لاستبدالهما في اوائل الربيع ولكن هناك الان قلق داخل الجيش بان الحاملتين قد تؤمران بالبقاء في المنطقة بعد وصول الحاملتين الجديدتين حسبما ترى مصادر عديدة.(ومن بين اسباب القلق الاخرى ، فقد بينت المناورات التدريبية بان حاملات الطائرات قد تكون فريسة سهلة لتكتيكات احتشاد اسراب القوارب الصغيرة وهو تكنيك مارسه الايرانيون في الماضي . وحاملات الطائرات لها قدرة محدودة على المناورة في مضيق هرمز الضيق امام ساحل ايران الجنوبي) . وقال مسئول الاستخبارات البارز السابق بأن خطط الطواريء الراهنة تسمح بأمر بالهجوم هذا الربيع . واضاف، على اية حال، ان الضباط الكبار في هيئة الاركان المشتركة يعولون على ان البيت الابيض لن يكون "غبيا الى درجة القيام بهذا في ضوء مايجري في العراق والمشاكل التي سوف يتسبب بها مثل هذا الامر للجمهوريين في 2008
جهد الادارة لتحجيم النفوذ الايراني في الشرق الاوسط اعتمد بشكل رئيسي على السعودية وعلى الامير بندر مستشار الامن القومي السعودي. شغل بندر منصب السفير لدى الولايات المتحدة لمدة اثنين وعشرين سنة حتى عام 2005 وقد ابقى على حبال الود مع الرئيس بوش ونائب الرئيس تشيني . وفي منصبه الجديد يستمر في اللقاء بهما سرا، وبالمقابل قام مسئولون بارزون في البيت الابيض بزيارات متكررة للسعودية مؤخرا وبعض هذه الزيارات لم يفصح عنها.
في نوفمبر الماضي ، طار تشيني الى السعودية في لقاء مفاجيء مع الملك عبد الله وبندر. ونشرت التايمز بان الملك حذر تشيني بان السعودية سوف تساند السنة في العراق اذا انسحبت الولايات المتحدة . وقد اخبرني مسئول استخباراتي اوربي بأن اللقاء ركز ايضا على مخاوف سعودية عامة اخرى حول "صعود الشيعة" وكرد فعل "بدأ السعوديون في استخدام قوتهم .. المال "
في عائلة ملكية زاخرة بالتنافس ، استطاع بندر، على مر السنوات ، ان يبني قاعدة قوة تعتمد بشكل رئيسي على علاقته الوثيقة بالامريكان وهي مسألة حيوية للسعودية. وقد خلف بندر الامير تركي الفيصل الذي استقال بعد ثمانية اشعر شهرا وحل محله عادل الجبير وهو بيروقراطي سبق له العمل مع بندر. وقد اعلمني دبلوماسي سعودي سابق انه خلال عمله في واشنطن ، بلغ اسماع تركي ان هناك لقاءات سرية تجري بين بندر ومسئولين كبار في البيت الابيض بضمنهم تشيني وابرامز . ويقول السعودي "اعتقد ان تركي لم يكن سعيدا بذلك " ولكنه اضاف "لا اعتقد ان بندر كان يتصرف من تلقاء نفسه " ويضيف السعودي بأنه رغم كراهية تركي لبندر فإنه كان يشاركه هدفه في مواجهة تصاعد قوة الشيعة في الشرق الاوسط.
الخلاف بين الشيعة والسنة يعود الى انقسام مرير في القرن السابع حول من كان يجب ان يخلف النبي محمد. وقد سيطر السنة على الخلافة القرون اوسطية والامبراطورية العثمانية ، وقد همش الشيعة تقليديا . وفي كل انحاء العالم يشكل السنة تسعين بالمائة من المسلمين ، ولكن الشيعة هم الاغلبية في ايران و العراق والبحرين وهم اكبر جماعة اسلامية في لبنان . وقد ادى تركزهم في منطقة مضطربة وغنية بالبترول الى قلق في الغرب وبين السنة حول بزوغ (الهلال الشيعي) لاسيما اذا اخذنا بنظرالاعتبار الثقل الجيوبولتيكي المتنامي لإيران.
"السعوديون مازالوا يرون العالم من خلال ايام الامبراطورية العثمانية حين كان المسلمون السنة يجثمون على الحكم والشعية في اسفل طبقة " كما قال لي فريدريك هوف، الضابط العسكري المتقاعد وخبير الشرق الاوسط واضاف انه اذا نظر الى بندر بأنه يدفع في اتجاه تحول في السياسة الامريكية لصالح السنة ، فهذا سوف يعزز مكانته داخل العائلة المالكة الى حد كبير.
السعوديون مدفوعون بخوفهم من ان ايران يمكن ان تميل بكفة ميزان القوى ليس فقط في المنطقة ولكن في بلادهم ايضا. في السعودية هناك اغلبية شيعية مهمة في المحافظة الشرقية ، وهي منطقة غنية بحقول النفط الرئيسية ، والتوتر الطائفي شديد في تلك المحافظة. وتعتقد العائلة المالكة ان الجواسيس الايرانيين بالتعاون مع الشيعة المحليين كانوا وراء الهجمات الارهابية العديدة داخل المملكة ، طبقا لوالي نصر "اليوم ، الجيش الوحيد القادر على احتواء ايران – الجيش العراقي ، قد دمرته الولايات المتحدة. انك تتعامل الان مع ايران التي قد تكون لديها قدرات نووية ولديها جيش قائم من اربعمائة وخمسين الف جندي .( السعودية لديها خمسة وسبعون جنديا فقط )
ويضيف نصر "للسعوديين موارد مالية هائلة وعلاقات عميقة مع الاخوان المسلمين والسلفيين – وهم المتطرفون السنة الذين يعتبرون الشيعة كفارا "آخر مرة كانت ايران خطرا حرك السعوديون اسوأ انواع الاصوليين الاسلاميين. وحالما تخرجهم من العلبة ، فإنك لا تستطيع اعادتهم "
كانت العائلة المالكة السعودية على التوالي، راعية وهدفا للمتطرفين السنة الذين يعارضون الفساد والتفسخ في اوساط امراء العائلة الذين لا يعدون ولا يحصون. ويراهن الامراء على استمرار بقائهم في الحكم طالما يستمرون في مساندة المدارس الدينية والجمعيات الخيرية المرتبطة بالمتطرفين . و ستراتيجية الادارة الجديدة تعتمد بشدة على هذه الصفقة.
قارن نصر الوضع الحالي بفترة اول ظهور القاعدة. في الثمانينات واوائل التسعينات عرضت الحكومة السعودية المساعدة في الحرب السرية لوكالة المخابرات المركزية الامريكية ضد الاتحاد السوفيتي في افغانستان . وقد ارسل المئات من الشبان السعوديين الى مناطق باكستان الحدودية حيث اقاموا مدارس دينية وقواعد تدريب و تسهيلات تجنيد . وفي تلك الفترة كما هي الان فإن الكثير من المجندين الذين كانوا يقبضون من الاموال السعودية كانوا من السلفيين . ومن بينهم طبعا كان اسامة بن لادن ورفاقه الذين انشأوا القاعدة في 1988 .
ولكن هذه المرة كما اخبرني المستشار الحكومي الامريكي فإن بندر وسعوديين آخرين اكدوا للبيت الابيض بانهم "سوف يراقبون عن كثب المتدينين الاصولين. كانت رسالتهم لنا : "لقد خلقنا هذه الحركة ويمكننا ان نسيطر عليها " المسألة ليست اننا لا نريد السلفيين ان يلقوا القنابل ولكن على من يلقونها !! حزب الله ومقتدى الصدر وايران وعلى السوريين اذا استمروا بالعمل مع حزب الله وايران ."
وقال السعودي انه من وجهة نظر بلاده فإنها تقوم بمخاطرة سياسية بالتحالف مع الولايات المتحدة في مواجهة ايران: والعالم العربي ينظر الى بندر على انه شديد القرب من ادارة بوش . قال لي الدبلوماسي السابق "لدينا كابوسان: ان تحصل ايران على القنبلة وان تهاجم الولايات المتحدة ايران . وانا افضل ان يقصف الاسرائيليون الايرانيين حتى نستطيع ان نلومهم . اذا قامت امريكا بذلك فسوف يقع اللوم علينا ."
في العام الماضي ، طور السعوديون والاسرائيليون وادارة بوش سلسلة من التفاهمات غير الرسمية حول اتجاههم الستراتيجي الجديد الذي يشتمل على اربعة عناصر على الاقل كما اخبرني المستشار الحكومي الامريكي . اولا التأكيد لاسرائيل ان امنها يأتي في المقدمة وان واشنطن والسعودية والدول السنية الاخرى يشاركونها قلقها من ايران .
ثانيا – السعوديون سوف يحثون حماس، الحزب الفلسطيني الاسلامي التي تتسلم دعما ايرانيا على ان تقطع عملياتها ضد اسرائيل وان تبدأ محادثات جادة حول المشاركة في القيادة مع فتح وهي المنظمة الفلسطينية الاكثر علمانية . (في فبراير رعى السعوديون صفقة في مكة بين الفصيلين . ولكن على اية حال ابدت اسرائيل والولايات المتحدة استيائهما من الشروط).
العنصر الثالث هو ان تبدأ ادارة بوش في العمل مباشرة مع الدول السنية لمكافحة بروز الشيعة في المنطقة.
العنصر الرابع سوف تقدم السعودية ، بموافقة واشنطن ، التمويل والعون اللوجستي لاضعاف حكومة الرئيس السوري بشار الاسد. ويؤمن الاسرائيليون بان مثل هذا الضغط على حكومة الاسد سوف يدفعها الى التفاوض. وسوريا هي المصدر الرئيسي لتسليح حزب الله. كما ان الحكومة السعودية تشعر بالغضب من السوريين حول اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق. في بيروت عام 2005، حيث تعتقد ان حكومة الاسد مسؤولة عنه. والحريري المليونير السني كان شديد الارتباط بالنظام السعودي ومع الامير بندر (اشار تحقيق للامم المتحدة الى تورط السوريين ولكنه لم يقدم دليلا مباشرا وهناك خطط للقيام بتحقيق آخر بواسطة محكمة دولية ).
اعتبر باتريك كلوسون من معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى تعاون السعوديين مع البيت الابيض انفتاحا مهما، وقد اخبرني ان " السعوديين يفهمون انهم اذا ارادوا الادارة ان تقدم عرضا سياسيا اكثر كرما للفلسطينيين، فعليهم اقناع الدول العربية بتقديم عرض يوازيه في الكرم للاسرائيليين ". ويضيف بأن المقاربة الدبلوماسية الجديدة " تبين درجة حقيقية من الجهد والتطور اضافة الى لمسة أناقة لم تعرفها هذه الادارة من قبل. من يخاطر المخاطرة الاعظم – نحن ام السعوديون؟ في الوقت الذي يتردى بشدة وضع امريكا في الشرق الاوسط يأتي السعوديون لانقاذنا. يجب ان نحمد الله على هذه النعم "
ولكن لمستشار البنتاغون رأيا مختلفا. يقول ان الادارة استدارت الى بندر لتضمن خط رجعة حيث انها تدرك ان الحرب الفاشلة في العراق قد تترك الشرق الوسط لقمة سائغة للطامعين .
بعد ايران تركز العلاقة الامريكية – السعودية على لبنان حيث يشارك السعوديون بعمق في جهود الادارة لدعم الحكومة اللبنانية. ويصارع رئيس الوزراء فؤاد السنيورة للبقاء في السلطة ضد معارضة مستمرة يقودها حزب الله، المنظمة الشيعية وقائدها الشيخ حسن نصر الله . حزب الله لديه بنى تحتية هائلة ، وحوالي الفان الى ثلاثة الاف مقاتل فعلي اضافة الى الاف من الاعضاء الاضافيين .
كان حزب الله على قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الارهابية منذ 1997. وقد اتهمت المنظمة بتفجير ثكنات المارينز في بيروت عام 1983 ومقتل مائتين وواحد واربعين عسكريا . كما اتهمت بالتواطيء في خطف امريكيين بضمنهم رئيس محطة المخابرات المركزية الامريكية في لبنان الذي مات في الاسر ومقتل كولونيل مارينز كان يخدم مع قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة (نفى نصر الله تورط حزبه في هذه الحوادث) ويعتبر نصر الله في نظر الكثيرين ارهابيا ينكر على اسرائيل حق الوجود. ولكن الكثيرين في العالم العربي وخاصة الشيعة ينظرون اليه كقائد مقاومة وقف بوجه اسرائيل في حرب الثلاثة والثلاثين يوما في الصيف الفائت. وينظرون الى السنيورة على انه سياسي ضعيف يعتمد على الدعم الامريكي ولكنه لم يستطع ان يقنع الرئيس بوش بمطالبة اسرائيل بوقف قصف لبنان (وقد حمل المحتجون في شوارع بيروت نسخا من صورته وهو يقبل كوندليزا رايس على وجنتها حين زارت لبنان اثناء الحرب ).
وقد تعهدت ادارة بوش في الصيف الماضي وعلى الملأ بتقديم مساعدات بمبلغ بليون دولار لحكومة السنيورة . وتعهد مؤتمر للمانحين عقد في باريس تحت رعاية امريكية بتقديم ثمانية بلايين بضمنها وعد باكثر من بليون من السعوديين . وكان وعد الامريكيين يشمل اكثر من مائتي مليون دولار بشكل مساعدات عسكرية واربعين مليون دولار للامن الداخلي.
كما قدمت الولايات المتحدة دعما سريا لحكومة السنيورة طبقا لمسؤول الاستخبارات البارز السابق ومستشار الحكومة الامريكية "نقوم ببرنامج لتطوير القدرة السنية لمقاومة التأثيرات الشيعية ونحن نوزع الاموال هنا وهناك بقدر استطاعتنا . وكانت المشكلة دائما ان مثل هذه الاموال "تذهب الى جيوب اكثر مما قدرت " واضاف المسئول الاستخباراتي "وفي هذه العملية نحن نمول الكثير من الاشرار ، ونحصل على نتائج خطيرة غير مقصودة . ليس لدينا القدرة على التحديد او الطلب بتوقيع الشيكات من قبل من نريدهم ونستبعد من لا نريدهم . انها مغامرة فيها الكثير من المخاطرة ."
اخبرني المسئولون الامريكان والاوربيون والعرب الذين تحدثت اليهم بان حكومة السنيورة وحلفاءها سمحوا بان تنتهي بعض هذه المعونات الى ايدي الجماعات السنية الاصولية التي بدأت في الظهور في شمال لبنان، في وادي البقاع وحول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الجنوب. وهذه الجماعات رغم صغرها ينظر اليها الان باعتبارها حاجز امام حزب الله وفي نفس الوقت تتفق في ايدلوجيتها مع القاعدة .
خلال حديثه معي اتهم الدبلوماسي السعودي السابق نصر الله بمحاولة "اختطاف الدولة " ولكنه رفض ايضا الرعاية اللبنانية والسعودية للجهاديين السنة في لبنان "السلفيون بغيضون وانا اقف بقوة ضد فكرة مغازلتهم. انهم يكرهون الشيعة ولكنهم يكرهون الامريكان اكثر. اذا حاولت ان تكون اكثر ذكاء منهم سوف يغلبونك. سيكون صراعا قبيحا "
قال لي الستير كروك الذي قضى ثلاثين سنة تقريبا في المخابرات البريطانية MI6 ويعمل الان في منتدى الصراعات وهي مؤسسة فكرية في بيروت :" الحكومة اللبنانية تفتح مجالا لصعود هؤلاء الناس وقد يكون هذا شيئا خطيرا " وقال كروك ان احدى الجماعات المتطرفة السنية وهي (فتح الاسلام) التي انشقت عن (فتح الانتفاضة) الجماعة السورية الام في مخيم نهر البارد في شمال لبنان . وكان عدد اعضائها في ذلك الوقت اقل من مائتين . "قيل لي انه خلال اربع وعشرين ساعة قدمت لهم اسلحة واموال من اشخاص عرفوا انفسهم بأنهم ممثلون عن الحكومة اللبنانية ، بهدف ان يواجهوا حزب الله ".
اكبر هذه الجماعات (اسباط الانصار) ومقرها في مخيم عين الحلوة الفلسطيني وقد تسلموا اسلحة وتجهيزات من قوات الامن الداخلي اللبنانية والميليشيات المرتبطة بحكومة السنيورة .
في عام 2005 وطبقا لتقرير من مجموعة الازمات الدولية والتي مقرها في الولايات المتحدة فإن سعد الحريري زعيم الاغلبية السنية في البرلمان اللبناني وابن رئيس الوزراء السباق المغدور، قد ورث عن والده مبلغ اربعة بلايين دولار، دفع منها ثمانية واربعين الف دولار لاربعة اعضاء في جماعة سنية مقاتلة. وقد اعتقل الرجال عندما كانوا يحاولون انشاء دويلة اسلامية في شمال لبنان . ولاحظت مجموعة الازمات بان الكثير من المقاتلين "تدربوا في معسكرات القاعدة في افغانستان "
وطبقا لتقرير مجموعة الازمات فإن سعد الحريري استخدم اغلبيته البرلمانية للحصول على عفو عن اثنين وعشرين من الاسلاميين في اضافة الى سبعة مقاتلين كانوا متهمين بالتآمر لتفجير السفارتين الايطالية والاوكرانية في بيروت في العام المنصرم .( كما رتب للحصول عن عفو عن سمير جعجع قائد الميليشيا المسيحية المارونية الذي ادين بأربع جرائم سياسية بضمنها اغتيال رئيس الوزراء رشيد كرامي في 1987) وقد وصف الحريري تصرفاته للصحفيين بالانسانية .
في مقابلة في بيروت ، اقر مسئول كبير في حكومة السنيورة بان هناك جهاديين اسلاميين يعملون داخل لبنان "لدينا وجهة نظر ليبرالية تسمح لانماط القاعدة بالتواجد هنا " وعزا ذلك الى القلق من ان تقرر ايران او سوريا لتحويل لبنان الى "ميدان صراع" .
ويقول المسئول بان حكومته في وضع لايسمح بالفوز. وقال انه بدون تحقيق تسوية سياسية مع حزب الله فإن لبنان يمكن ان "ينزلق الى صراع " يقاتل فيه حزب الله قوات سنية بنتائج رهيبة محتملة . ولكن اذا وافق حزب الله على تسوية مع احتفاظه بجيش خاص يتحالف مع ايران وسوريا "قد تصبح لبنان هدفا . وفي كلا الحالين نصبح هدفا ".
صورت ادارة بوش دعمها لحكومة السنيورة كمثال على ايمان الرئيس بالديمقراطية ورغبته في منع قوى اخرى من التدخل في لبنان. وحين قاد حزب الله تظاهرات الشوارع في بيروت في ديسمبر وصفها جون بولتون الذي كان المندوب الامريكي لدى الامم المتحدة حينذاك "جزءا من الانقلاب المدعوم ايرانيا وسوريا "
يقول ليزلي هـ. جيلب الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية بان سياسة الادارة كانت اقرب منها الى مؤازرة الامن القومي الامريكي من الديمقراطية، حقيقة انه سيكون من الخطر جدا ان يحكم حزب الله لبنان " ويقول جيلب ان حكومة السنيورة ، لو سقطت ، فإن ذلك سيكون "مؤشرا على سقوط الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وصعود خطرالارهاب . وهكذا فأي تغيير في توزيع القوى السياسية في لبنان يجب ان تعارضه الولايات المتحدة – ونحن معذورون في مساعدة أي احزاب غير شيعية تقاوم ذلك التغيير . يجب ان نعلن ذلك على الملأ بدلا من الحديث عن الديمقراطية ."
ولكن مارتن اندايك من مركز سابان يقول بان الولايات المتحدة لا تملك ان تمنع المعتدلين في لبنان من التعامل مع المتطرفين ." ويضيف "الرئيس يرى المنطقة مقسومة بين معتدلين ومتطرفين ولكن اصدقاءنا الاقليميين يرونها انها مقسمة بين السنة والشيعة ومن نعتبرهم سنة متطرفين هم مجرد سنة في نظر هؤلاء الحلفاء."
في يناير، بعد اندلاع عنف الشوارع في بيروت الذي شارك فيه كل من انصار حكومة السنيورة وحزب الله ، طار الامير بندر الى طهران لمناقشة الموقف السياسي في لبنان وللقاء علي لاريجاني المفاوض الايراني حول القضايا النووية . وطبقا لسفير شرق اوسطي كانت مهمة بندر – التي صادق عليها البيت الابيض كما قال السفير – كانت تهدف ايضا الى "خلق مشاكل بين الايرانيين وسوريا" كانت هناك مشاكل بين الدولتين حول المحادثات السورية الاسرائيلية وكان هدف السعوديين تعميق الهوة . ولكن على اية حال كما يقول السفير "لم تنجح المحاولة وسوريا وايران لن تخونا احداهما الاخرى . من غير المحتمل جدا ان ينجح مسعى بندر"
لقد هاجم وليد جنبلاط زعيم الاقلية الدرزية في لبنان والنصير القوي للسنيورة ، نصر الله واصفا اياه بالعميل السوري وقد اخبر الصحفيين اكثر من مرة ان حزب الله يخضع للاوامر المباشرة من مرجعيته الدينية في ايران . وفي حديث معي في ديسمبر الماضي وصف الرئيس السوري بشار الاسد بأنه "سفاح " وقال ان نصر الله ، بسبب دعمه للسوريين ، "مذنب اخلاقيا " باغتيال رفيق الحريري وجريمة اغتيال بيير الجميل الوزير في حكومة السنيورة في نوفمبر الماضي .
وقد اخبرني جنبلاط بانه قابل نائب الرئيس تشيني في واشنطن في الخريف الماضي لمناقشة ، من بين قضايا اخرى ، احتمال اضعاف الاسد . وقد نصح هو وزملاؤه تشيني انه اذا حاولت الولايات المتحدة ان تتحرك ضد سوريا فإن عليها ان تتحدث مع جماعة الاخوان المسلمين السورية .
انخرطت جماعة الاخوان المسلمين السورية وهي فرع من الحركة السنية الاصولية التي تأسست في مصر عام 1928 ، في المعارضة المسلحة لأكثر من عقد من السنين ضد نظام حافظ الاسد والد بشار . وفي عام 1982 سيطر الاخوان على مدينة حماه فقصف الاسد المدينة لمدة اسبوع وقتل مابين ستة الاف الى عشرين الف منهم . والموت هو عقوبة الانضمام الى الاخوان في سوريا. والاخوان ايضا يعادون الولايات المتحدة واسرائيل . على اية حال، يقول جنبلاط " لقد ابلغنا تشيني بأن الرابط الاساسي بين ايران ولبنان هو سوريا ومن اجل اضعاف ايران تحتاج الى ان تفتح الباب لمعارضة سورية فعالة "
هناك شواهد على ان تغير مسار ستراتيجية الادارة صب فعلا في مصلحة الاخوان المسلمين . ان جبهة الانقاذ الوطني السورية هي تحالف لقوى معارضة من ابرز اعضائها فصيل بقيادة عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق والذي انشق في 2005 و الاخوان المسلمون. وقد اخبرني ضابط كبير سابق في وكالة المخابرات المركزية قائلا "لقد قدم الامريكان الدعم السياسي والمالي . السعوديون يتولون الدعم المالي ولكن هناك ايضا المشاركة الامريكية " وقال ان خدام الذي يعيش الان في باريس كان يستلم اموالا من السعودية بعلم البيت الابيض .(في 2005 التقى وفد من الجبهة بمسئولين من مجلس الامن القومي حسب تقارير الصحف) وقال لي مسئول سابق في البيت الابيض بان السعوديين وفروا لاعضاء الجبهة وثائق سفر.
يقول جنبلاط بأنه يتفهم ان القضية حساسة بالنسبة للبيت الابيض "اخبرت تشيني بان بعض الناس في العالم العربي وخاصة المصريين "- حيث القيادة السنية المعتدلة كانت تحارب جماعة الاخوان المسلمين المصرية لعشرات السنين – " لن يعجبهم ان تساعد الولايات المتحدة الاخوان المسلمين . ولكن اذا لم تواجهوا سوريا فسنكون نحن في لبنان وجها لوجه مع حزب الله في معركة طويلة قد لا يكون النصر حليفنا فيها "
في ليلة دافئة وصافية في اوائل ديسمبرالماضي ، وفي ضاحية مقصوفة تبعد عدة اميال الى جنوب مركز بيروت ، شهدت لمحات مما يمكن ان تعنيه ستراتيجية الادارة الجديدة في لبنان . وقد وافق الشيخ حسن نصر الله ، الامين العام لحزب الله والذي كان مختبئا، على ان اجري حوارا معه. كانت ترتيبات الامن للمقابلة سرية ومعقدة .
جلست في المقعد الخلفي لسيارة مظللة النوافذ نقلتني الى جراج مدمر تحت الارض في مكان ما من بيروت وتم تفتيشي بآلة كشف يدوية ثم انتقلت الى سيارة ثانية اخذتني الى جراج مدمر آخر تحت الارض ، ثم نقلت منه مرة اخرى . وفي الصيف الماضي كان قد اشيع ان اسرائيل تحاول قتل نصر الله ولكن الاحتياطات المبالغ بها لم تكن بسبب ذلك التهديد فقط . اخبرني مساعدو نصر الله بانهم يعتقدون انه هدف رئيسي للاشقاء العرب خاصة عناصر الاستخبارات الاردنية اضافة الى الجهاديين السنة الذين يعتقد بارتباطهم بالقاعدة . ( قال لي مستشار حكومي و جنرال متقاعد بأربع نجوم بأن الاستخبارات الاردنية بمساعدة من الولايات المتحدة واسرائيل كانت تحاول ان تخترق الجماعات الشيعية للعمل ضد حزب الله. وقد حذر ملك الاردن عبد الله الثاني من ان حكومة شيعية في العراق موالية لايران سوف تؤدي الى بزوغ الهلال الشيعي) . وهذه مفارقة : كانت معركة حزب الله مع اسرائيل في الصيف الماضي قد حولته – وهو الشيعي – الى اكثر الشخصيات شعبية وتأثيرا بين السنة والشيعة في عموم المنطقة . في الاشهر الاخيرة على اية حال لم يعد الكثير من السنة ينظرون اليه رمزا لوحدة العرب وانما جزءا من حرب طائفية .
كان نصر الله في انتظاري، في شقة لاتلفت الانتباه، يرتدي كالعادة زيه الديني. قال احد مستشاريه بانه ليس من المحتمل ان يبيت تلك الليلة في ذلك المبنى، فقد كان دائم التنقل منذ اتخذ قراره في يوليو الماضي باصدار الامر لاختطاف جنديين اسرائيليين في مداهمة عبر الحدود والتي اطلقت حرب الثلاثة والثلاثين يوما .وكان نصر الله قد قال علنا وكررها امامي بانه اخطأ في حساب رد الفعل الاسرائيلي "اردنا فقط ان نأسر جنديين لنفاوض على اطلاق سراح اسرانا . لم نكن نريد جر المنطقة الى حرب"
وقد اتهم نصر الله ادارة بوش بالعمل عمدا مع اسرائيل لاثارة (الفتنة) وهي كلمة عربية تستخدم لتعني " العصيان والتشظي داخل الاسلام ". قال :" وفي رأيي هناك حملة كبيرة في وسائل الاعلام في انحاء العالم لوضع كل طائفة في مواجهة الاخرى. واعتقد ان الاستخبارات الامريكية والاسرائيلية هما اللتان تديران هذه الحملة " (لم يقدم أي دليل محدد على قوله) وقال ان الحرب الامريكية في العراق زادت من التوترات الطائفية ولكنه قال ان حزب الله حاول ان يمنع انتشارها في لبنان (المواجهات العنيفة بين السنة والشيعة ازدادت خلال اسابيع من حديثنا".
ومما قاله نصر الله انه يعتقد ان هدف الرئيس بوش كان "رسم خارطة جديدة للمنطقة. انهم يريدون تقسيم العراق. العراق ليس على شفا الحرب الاهلية – بل هناك حرب اهلية. هناك تطهير عرقي وطائفي . القتل اليومي والتهجير يحدثان في العراق بهدف تقسيمه الى ثلاثة اجزاء تكون نقية عرقيا وطائفيا كمقدمة لتقسيم العراق . في خلال سنة او سنتين على الاكثر سوف تكون هناك مناطق سنية خالصة ومناطق شيعية خالصة ومناطق كردية كلية. وحتى في بغداد هناك خوف انها قد تقسم الى منطقتين : واحدة سنية واخرى شيعية ."
واستمر قائلا :" استطيع القول ان الرئيس بوش يكذب حين يقول انه لا يريد تقسيم العراق . كل الوقائع التي تحدث الان على الارض تجعلك تحلف بأنه يجر العراق الى التقسيم . وسوف يأتي يوم يقول فيه " لا استطيع ان افعل شيئا طالما ان العراقيين يريدون تقسيم بلادهم وانا احترم رغبات العراقيين ".
قال نصر الله انه يؤمن بان امريكا ايضا تريد تقسيم لبنان وسوريا. في سوريا ستكون النتيجة دفع البلاد "الى فوضى واقتتال داخلي مثل العراق " وفي لبنان " ستكون هناك دولة سنية ودولة علوية ودولة مسيحية ودولة درزية " ولكن " لا اعرف ان كانت ستقوم دولة شيعية " واخبرني بانه يظن بان احد اهداف القصف الاسرائيلي للبنان في الصيف الماضي كان "تدمير المناطق الشيعية وتهجير الشيعة من لبنان. الفكرة هي دفع شيعة لبنان وسوريا للهرب الى جنوب العراق " الذي تسيطر عليه الشيعة ، وقال " لست متأكدا ولكني اشم الرائحة "
وأوضح "ان التقسيم يجعل اسرائيل محاطة بدول صغيرة هادئة "اؤكد لك ان المملكة السعودية سوف تقسم ايضا وستصل القضية الى دول شمال افريقيا. ستكون هناك دول عرقية صغيرة. بتعبير آخر، ستكون اسرائيل اهم واقوى دولة في منطقة قسمت الى دول عرقية وطائفية ومتفقة مع بعضها البعض . هذا هو الشرق الاوسط الجديد."
في الواقع قاومت دارة بوش طويلا الحديث عن تقسيم العراق ومواقفها العلنية توحي بان البيت الابيض يرى لبنان المستقبل موحدا ولكن مع حزب الله ضعيف ومنزوع السلاح ويلعب دورا سياسيا صغيرا. كما انه ليس هناك من دليل يدعم اعتقاد نصر الله بان الاسرائيليين يسعون لدفع الشيعة الى جنوب العراق . وعلى اية حال فإن رؤية نصر الله لصراع طائفي اكبر تتورط فيه الولايات المتحدة توحي بنتيجة محتملة لستراتيجية البيت الابيض الجديدة.
في المقابلة، ابدى نصر الله اشارات ووعود قد يستقبلها خصومه بالتشكيك. قال "اذا قالت الولايات المتحدة بان المحادثات مع امثالنا يمكن ان تكون مفيدة ومؤثرة في تقرير السياسة الامريكية في المنطقة فليس لدينا اعتراض على الحوار واللقاءات "
"ولكن اذا كان هدفهم من خلال اللقاء فرض سياستهم علينا سيكون ذلك اضاعة للوقت" قال ان ميليشيا حزب الله ، مالم تُهاجَم ، ستعمل داخل الحدود اللبنانية وتعهد بنزع السلاح اذا استطاع الجيش اللبناني القيام بمهامه. وقال انه ليس من مصلحته اشعال حرب اخرى مع اسرائيل. ولكن اضاف انه على اية حال يتوقع ويستعد لهجوم اسرائيلي اخر في نهاية العام .
اصر نصر الله على ان تظاهرات الشوارع في بيروت سوف تستمر حتى تسقط حكومة السنيورة او تمتثل لمطالب تحالفه السياسية "ومن الناحية العملية ،هذه الحكومة غير قادرة على الحكم . تستطيع ان تصدر اوامر ولكن غالبية الشعب اللبناني لن تطيع ولن تعترف بشرعية هذه الحكومة . يبقى السنيورة في منصبه بسبب الدعم الدولي ولكن ليس معنى هذا انه يستطيع ان يحكم لبنان ."
يقول نصر الله ان تكرار ثناء الرئيس بوش على حكومة السنيورة احسن خدمة يمكن ان يقدمها للمعارضة اللبنانية لأنها تضعف مركزالحكومة امام الشعب اللبناني والشعوب العربية والاسلامية. انهم يراهنون على ان نتعب . ولكن اذا لم نتعب خلال الحرب فكيف نتعب من مظاهرات ؟"
هناك انقسام حاد داخل وخارج ادارة بوش حول افضل السبل للتعامل مع نصر الله وما اذا كان يستطيع في الواقع ان يكون شريكا في التسوية السياسية . فمدير الاستخبارات القومية المغادر جون نيغروبونتي في جلسة الوداع امام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ في يناير قال ان حزب الله "يقع في مركز الستراتيجية الارهابية الايرانية .. قد يقرر شن هجمات ضد مصالح الولايات المتحدة في حالة شعر ان وجوده او وجود ايران قد تعرض للتهديد. ان حزب الله اللبناني يرى في نفسه شريكا لطهران ."
في عام 2002 وصف ريتشارد ارميتاج وكان نائب وزير الخارجية آنذاك ، حزب الله بانه ارهابي من "الدرجة الاولى " . ولكن في مقابلة حديثة اقر ارميتاج بان القضية اصبحت اكثر تعقيدا . و قال لي ان نصر الله برز " قوة سياسية على شيء من الاهمية وله دور سياسي يلعبه داخل لبنان اذا اختار ان يفعل ذلك ". وفيما يتعلق بالعلاقات العامة واللعبة السياسية يقول ارميتاج ان نصر الله "هو اذكى رجل في الشرق الاوسط" ولكنه يضيف ان على نصر الله "ان يقول بشكل واضح انه يريد ان يلعب دورا مناسبا كمعارضة نزيهة. بالنسبة لي مازال هناك ديْن دم يجب تسديده " في اشارة الى الكولونيل المقتول وتفجير الثكنة العسكرية .
من نقاد حزب الله المزمنين روبرت باير احد عناصر وكالة المخابرات المركزية في لبنان وقد حذر من علاقات حزب الله بالارهاب الذي ترعاه ايران . ولكنه الان يقول "لدينا عرب سنة يستعدون لصراع كبير وسوف نحتاج لمن يحمي المسيحيين في لبنان . كان الفرنسيون والامريكيون يفعلون ذلك في السابق ، ولكن سيقوم بالمهمة الان نصر الله والشيعة ".
ويضيف باير "اهم قصة في الشرق الاوسط نشوء نصر الله من رجل شارع الى قائد ، من ارهابي الى رجل دولة. ان الكلب الذي لم ينبح هذا الصيف – خلال الحرب مع اسرائيل – هو الارهاب الشيعي " وكان باير يشير الى المخاوف من ان نصر الله اضافة الى اطلاقه الصواريخ على اسرائيل واختطاف جنودها كان يمكن ان يحرك هجمات ارهابية على اهداف اسرائيلية وامريكية حول العالم . "كان يمكنه ان يضغط على الزناد ولكنه لم يفعل".
معظم اعضاء الدوائر الاستخباراتية والدبلوماسية يقرون بعلاقات حزب الله المستمرة بايران ، ولكن هناك اختلافا حول المدى الذي يمكن ان يصل اليه نصر الله في تفضيل مصالح ايران على مصالح حزبه . وقد وصف ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية بلبنان نصر الله بانه "ظاهرة لبنانية. ولكنه مدعوم من ايران وسوريا. ولكن حزب الله ذهب ابعد من ذلك " وقال لي انه كانت هناك فترة في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات حين كانت محطة المخابرات المركزية في بيروت قادرة على التنصت على محادثات نصر الله، وقد وصفه بانه مثل "زعيم عصابة يستطيع ان يعقد صفقات مع عصابات اخرى . ان له علاقات مع الجميع ."
ان اعتماد ادارة بوش على العمليات السرية التي لم تصل الى اسماع الكونغرس وصفقاتها مع وسطاء ذوي اجندة مثيرة للجدل، يستدعي الى اذهان البعض في واشنطن، فصلا سابقا من التاريخ . قبل عشرين سنة ، حاولت ادارة ريغان ان تمول ثوار الكونترا في نيكاراغوا بصورة غير شرعية ، بواسطة بيع اسلحة الى ايران سرا . وقد شاركت السعودية باموالها فيما اصبح يعرف بفضيحة ايران كونترا ، وبعض اللاعبين في حينها واهمهم الامير بندر واليوت ابرامز هم انفسهم المتورطون في صفقات اليوم .
قبل سنتين جرت مناقشة غير رسمية حول " الدروس المستقاة " من ايران كونترا اشترك فيها ابطال الفضيحة . وقد بادر ابرامز بادارة النقاش . وأحد الاستنتاجات كانت انه حتى مع كشف البرنامج ، كان من الممكن تنفيذه بدون ابلاغ الكونغرس. اما حول الدرس الذي تعملوه من التجربة فيما يتعلق بالعمليات السرية المستقبلية ، وجد المشاركون "اولا انك لاتستطيع الثقة باصدقائك. ثانيا يجب ان تكون وكالة المخابرات المركزية خارج اللعبة تماما. ثالثا انك لا تستيطع الثقة بافراد الجيش . رابعا يجب ان تدار العمليات من مكتب نائب الرئيس" في اشارة الى دور تشيني كما قال مسئول الاستخبارات السابق.
وقد اخبرت لاحقا من قبل مستشاري الحكومة ومسئول الاستخبارات السابق بان اصداء ايران كونترا كانت عنصرا في قرار نيغروبونتي للاستقالة من منصبه كمدير للاستخبارات القومية وقبوله منصبا ثانويا في الوزارة كنائب لوزيرة الخارجية . (رفض نيغروبونتي ان يعلق ).
كما اخبرني مسئول الاستخبارات الكبير السابق بان نيغروبونتي لم يرغب في اعادة تجربته مع ادارة ريغان حين خدم كسفير في الندوراس . قال نيغروبونتي "لاسبيل الى ذلك . لن امشي ذلك الطريق مرة اخرى ومجلس الامن القومي يدير عمليات خارج السجلات بدون ان يعلم بها احد" (في حالة العمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية ، يجب ان يصدر الرئيس قرارا بابلاغ الكونغرس) وبقي نيغروبونتي نائبا لوزيرة الخارجية واضاف لأنه "يعتقد انه هكذا يستطيع ان يؤثر في الحكومة بطريقة ايجابية "
وقال مستشار الحكومة بان نيغروبونتي شارك في الاهداف السياسية للبيت الابيض ولكنه يريد ان يفعل ذلك "حسب القوانين" واخبرني مستشار البنتاغون ايضا بان "هناك احساس في مستوى الرتب العليا بانه لم يكن مؤيدا تماما للمغامرات الاكثر سرية " وقال انه في الواقع ان نيغروبونتي " كانت لديه مشاكل مع بدع السياسة من طراز "روب غولدبرج" * لترتيب الشرق الاوسط".
أضاف مستشار البنتاغون بان احد هذه الصعوبات ، كان المساءلة فيما بتعلق بالتمويل السري "هناك الكثير الكثير من جرار المال الاسود متناثرة في اماكن كثيرة حول العالم وفي مهام متنوعة ". فوضى الميزانية في العراق حيث اختفت بلايين الدولارات كانت المنطلق لمثل هذه التعاملات ، طبقا لمسئول الاستخبارات السابق والجنرال المتقاعد ذي الاربع نجوم.
قال لي مساعد مجلس الامن القومي السابق "هذا يرجع الى ايران كونترا وهم يبذلون الكثير من اجل ابعاد الوكالة عن هذه العمليات " وقال ان الكونغرس لايجري تبليغه بالمدى الذي تصل اليه العمليات الامريكية السعودية. وقال "وكالة المخابرات المركزية تتساءل :" ماذا يحدث ؟" انهم يشعرون بالقلق حيث يعتقدون ان مايجري هو عمل هواة ؟
قضية الاشراف والمراقبة بدأت تنال اهتماما من الكونغرس . في نوفمبر الماضي اصدرت ادارة خدمة الابحاث في الكونغرس تقريرا للكونغرس حول ما تظنه تشويشا من الادارة على الخط الفاصل بين انشطة وكالة المخابرات المركزية والعمليات العسكرية البحتة والتي لا تتطلب ابلاغ الكونغرس . وقد حددت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ برئاسة السناتور جي روكفلر يوم 8 مارس لجلسة استماع حول انشطة استخبارات وزارة الدفاع .
وقد ابلغني السناتور رون وايدن من ولاية اوريغون وهو ديمقراطي وعضو لجنة الاستخبارات :" لقد فشلت ادارة بوش مرارا في التقيد بالتزاماتها القانونية القاضية بإطلاع لجنة الاستخبارات اطلاعا كاملا ومستمرا . وفي كل مرة يكون الجواب "ثقوا بنا " ويقول وايدن "من الصعب بالنسبة لي ان اثق بالادارة."
-----
* روب غولدبرج - رسام كاريكاتير امريكي (1900 – 1960) اشتهر برسومه التي يصور فيها مكائن سخيفة تثير الضحك كأن يرسم آلات تبدو معقدة من اجل تطيير طائرة ورقية من شباك الغرفة بدلا من الخروج بها الى الهواء الطلق كما يفعل كل الاطفال .. وتسمى رسومه مشاريع او بدع غولدبرج . وتشبيه شيء ببدع غولدبرج يعني القيام بعملية معقدة او عملية التفاف من اجل تنفيذ مهمة بسيطة – المترجمة
المصدر : مجلة نيويوركر عدد مارس 2007
ارجو في حالة اعادة النشر الاشارة الى اسم المترجمة مع جزيل الشكر
احدى رسوم
الرسام الامريكي روب غولدبرج التي تصور اختراع فوطة مائدة ذاتية الحركة .
حين تنتهي من المقالة الطويلة والمهمة سوف تعرف لماذا اخترت هذه الصورة
بقلم: سيمور هيرش
ترجمة بثينة الناصري
في الاشهر القليلة الماضية، ومع تدهور الوضع في العراق، اتخذت ادارة بوش، في دبلوماسيتها المعلنة و عملياتها السرية، مسارا جديدا مهما في ستراتجية سياستها في الشرق الاوسط. و"تحويل المسارRedirection" هذا وهي التسمية التي اطلقها احد مسئولي في البيت الابيض على الستراتيجية الجديدة ، قد دفع بالولايات المتحدة الى حافة مواجهة مكشوفة مع ايران ، وفي اجزاء من المنطقة ، تسبب في صراع طائفي آخذ في الاتساع بين المسلمين الشيعة والسنة.
ومن اجل اضعاف ايران، وفيها اغلبية شيعية، قررت ادارة بوش ان تعيد رسم اولوياتها في الشرق الاوسط. في لبنان، تعاون الادارة مع حكومة السعودية وهي سنية في عمليات سرية تهدف الى اضعاف حزب الله ، المنظمة الشيعية التي تدعمها ايران. كما شاركت الولايات المتحدة في عمليات سرية اخرى ضد ايران وحليفتها سوريا. والمنتج الثانوي لهذه الانشطة، كان تدعيم الجماعات السنية المتطرفة التي تؤمن برؤية جهادية للاسلام وهي معادية لامريكا ومتعاطفة مع القاعدة.
جانب التناقض في الستراتيجة الجديدة : يلاحظ انه في العراق، معظم عنف (المتمردين) (يستخدم الكاتب مفردات قاموس الاحتلال - المترجمة) الموجه الى الجيش الامريكي يأتي من القوى السنية وليس الشيعية. ولكن من منظور الادارة ، كان اهم نتيجة ستراتيجية مهمة – وغير مقصودة – للاحتلال، هي تمكين ايران . وقد تفوه رئيسها محمود احمدي نجاد بكلمات عنيفة حول تدمير اسرائيل وحول حق بلاده في متابعة برنامجها النووي وفي الاسبوع الماضي قال قائدها الديني الاعلى اية الله علي خامنئي في التلفزيون الحكومي بان "حقائق المنطقة تبين ان الجبهة المتعجرفة التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها سوف تكون الخاسر الرئيسي في المنطقة "
بعد أن جاءت ثورة 1979 بحكومة دينية الى السلطة، قاطعت الولايات المتحدة ايران واقامت علاقات اقوى مع قادة الدول العربية السنية مثل الاردن ومصر والسعودية. وقد اصبحت تلك الحسابات اكثر تعقيدا بعد هجمات 11 سبتمبر خاصة فيما يتعلق بالسعودية. القاعدة سنية وكثير من قياداتها جاءوا من الدوائر الدينية المتطرفة في السعودية. قبل غزو العراق في 2003، افترض مسؤولو الادارة تحت تأثير ايديولوجية المحافظين الجدد بأن حكومة شيعية في العراق يمكن ان تقدم توازنا مواليا للامريكان امام المتطرفين السنة وطالما ان الاغلبية الشيعية في العراق كانت مقهورة ايام حكم صدام حسين. وقد اهملوا تحذيرات دوائر المخابرات حول علاقات الزعماء الشيعة العراقيين وايران حيث عاش بعضهم سنوات النفي هناك. والان، لخيبة البيت الابيض، وطدت ايران علاقات وثيقة مع حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الشيعية.
السياسة الامريكية الجديدة ، بخطوطها العريضة، تمت مناقشتها علنيا. وفي شهادتها امام لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ قالت وزيرة الخارجية كونوليزا رايس بانه هناك (ستراتيجية جديدة في الشرق الاوسط) " لفصل "المعتدلين" عن "المتطرفين"، واشارت الى الدول السنية باعتبارها مراكز الاعتدال ، وقالت ان ايران وسوريا وحزب الله "على الجهة الاخرى من هذه القسمة " (الاغلبية السنية في سوريا تحكمها الطائفة العلوية) وقالت ان ايران وسوريا "اتخذتا خيارهما وهو اثارة القلاقل".
بعض التكتيكات الجوهرية لتغيير المسار، سرية على اية حال . وقد ابقي على العمليات السرية في الخفاء، في بعض الحالات، بإلقاء عبء التنفيذ او التمويل على السعوديين، او بإيجاد سبل اخرى للالتفاف حول عملية تخصيص الكونغرس، كما قال مسئولون مقربون من الادارة حاليون وسابقون.
وقد ابلغني عضو بارز في لجنة التخصيص في مجلس النواب بانه سمع عن هذه الستراتيجية الجديدة ولكنه شعر بانه هو وزملاؤه لم يتم اطلاعهم بشكل كاف. "ليس لدينا أي علم عن هذا. حين نسأل عما يجري يقولون لاشيء هناك، وحين نسأل اسئلة محددة يقولون "سوف نبلغكم " انه امر محبط"
اللاعبون الاساسيون في عملية تغيير المسار هم : نائب الرئيس ديك تشيني، ونائب مستشار الامن القومي اليوت ابرامز، والسفير في العراق المرشح لمندوبية الامم المتحدة زلماي خليل زاد والامير بندر بن سلطان مستشار الامن القومي السعودي. وفي حين ان رايس كانت مشاركة بعمق في تشكيل السياسة العلنية، فإن مسئولين سابقين وحاليين يقولون بان الجانب الخفي يديره تشيني. (رفض مكتب تشيني والبيت الابيض التعليق على هذا الخبر . ولم يرد البنتاغون على اسئلة محددة ولكن قال "الولايات المتحدة لا تخطط لشن الحرب على ايران")
لقد دفع التغير السياسي للادارة الامريكية بالسعودية واسرائيل الى علاقة ستراتيجية جديدة حميمة بينهما، ويرجع السبب الرئيسي في هذا الى ان الدولتين تريان في ايران خطرا مصيريا. وقد شاركا في محادثات مباشرة والسعوديون الذين يؤمنون بان استقرارا اكبر في اسرائيل وفلسطين سوف يحرم ايران من نفوذها في المنطقة، قد شاركوا في المزيد من المفاوضات العربية – الاسرائيلية.
الستراتيجية الجديدة "تغير مهم في السياسة الامريكية. تغير هائل" كما قال مستشار حكومي امريكي له صلات وثيقة مع اسرائيل واضاف "الدول السنية شعرت بالخطر من اكتساح شيعي وكان هناك غضب متصاعد من رهاننا على الشيعة المعتدلين في العراق . لايمكننا ان نغير المكاسب الشيعية في العراق ولكن نستطيع ان نحتويها "
يقول والي نصر وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية والذي كتب كثيرا عن الشيعة في ايران والعراق "يبدو ان هناك جدلا داخل الحكومة حول أيهما اخطر: ايران ام الاصوليون السنة ؟ وكان السعوديون والبعض في الادارة يجادلون بان ايران هي الاخطر وان الاصوليين السنة اقل عداء. وهذا نصر للخط السعودي".
مارتن اندايك المسئول الكبير في وزارة الخارجية بادارة كلنتون والذي عمل في منصب سفير اسرائيل يرى ان "الشرق الاوسط يتجه نحو حرب باردة سنية شيعية خطيرة " ويضيف اندايك وهو الان مدير مركز سابان (صبان) لسياسة الشرق الاوسط في مؤسسة بروكنجز Brookings Institution انه في رأيه لم يكن واضحا ما اذا كان البيت الابيض مدركا تماما للفحوى الاستراتيجية لسياسته الجديدة . "ان البيت الابيض لا يضاعف رهانه في العراق فقط وانما في كل المنطقة وهذا من شأنه ان يعقد الامور. كل شيء مقلوب رأسا على عقب."
تبدو سياسة الادارة الجديدة لاحتواء ايران وكأنها ستعقد ستراتيجية كسب الحرب في العراق. ويجادل باتريك كلوسون وهو خبير في الشؤون الايرانية ونائب مدير الابحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى ، بان العلاقات الاوثق بين الولايات المتحدة والسنة المعتدلين وحتى المتطرفين قد تخيف حكومة المالكي " وتجعله يشعر بالقلق من ان السنة يمكن ان ينتصروا فعليا في الحرب الاهلية هناك. يقول كلوسون بان هذا قد يعطي المالكي حافزا للتعاون مع الولايات المتحدة في قمع الميليشيات الشيعية الاصولية مثل جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر.
ومع ذلك ففي هذا الوقت تظل الولايات المتحدة معتمدة على تعاون القادة الشيعة العراقيين. قد يعلن جيش المهدي عداءه للمصالح الامريكية ولكن الميليشيات الشيعية الاخرى حليفة للامريكيين، وكلا من مقتدى الصدر والبيت الابيض يدعمان المالكي. وقد جاء في مذكرة كتبها في اواخر العام الماضي ستيفن هادلي ، مستشارالامن القومي ان الادارة تحاول فصل المالكي من حلفائه الشيعة الاكثر رادكالية ببناء قاعدة له بين السنة المعتدلين والاكراد ، ولكن حتى الان فان الأمور تتجه اتجاها معاكسا. وبينما يستمر الجيش العراقي الجديد في التخبط في مواجهاته مع (المتمردين) ، تتصاعد حثيثا قوة الميليشيات الشيعية .
قال لي فلاينت ليفريت وهو مسئول سابق في مجلس الامن القومي في ادارة بوش :" لا تجد صدفة اومفارقة في الستراتيجية الجديدة فيما يتعلق بالعراق. الادارة تحاول ان تبني قضية تبين ان ايران اخطر واكثر استفزازا للمصالح الامريكية في العراق من (المتمردين) السنة. في حين انك لما ترى ارقام الاصابات الحقيقية – تجد ان العقاب الذي يوقعه السنة بالامريكيين اعظم حجما. وهذا كله جزء من حملة استفزازات من اجل تصعيد الضغط على ايران . والفكرة انه في لحظة ما سوف يرد الايرانيون مما يضع بين ايدي الادارة مبرر لضربهم"
وقد اعلن الرئيس جورج بوش في خطاب في 10 يناير جزءا من هذه المقاربة حين قال "هذان النظامان: ايران وسوريا يسمحان للارهابيين والمتمردين باستخدام اراضيهما للتحرك من والى العراق. ايران تقدم الدعم المادي للهجمات على القوات الامريكية. سوف نعرقل الهجمات على قواتنا. سوف نوقف تدفق الدعم من ايران وسوريا. سوف نطارد وندمر الشبكات التي تقدم السلاح المتطور والتدريب لاعدائنا في العراق"
وفي الاسابيع التي تلت كان هناك موجة من الاتهامات من الادارة حول تورط ايراني في حرب العراق . في 11 فبراير، عرض على الصحفيين معدات تفجير مطورة وقد وقعت في ايدي القوات الامريكية في العراق ، و قالت الادارة انها جاءت من ايران . كان رسالة الادارة في جوهرها، ان الوضع الكئيب في العراق لم يكن بسبب فشلها في التخطيط والتنفيذ وانما بسبب تدخل ايران .
اعتقل الجيش الامريكي واستجوب مئات من الايرانيين في العراق . ويقول مسئول مخابرات بارز سابق "صدر امر في اغسطس الماضي للجيش ان يعتقل اكثر ما يمكن من الايرانيين في العراق. وفي مرحلة من المراحل كان في المعتقل حوالي خمسمائة ايراني. وقد حصلنا منهم بالتعذيب على معلومات . وهدف البيت الابيض بناء قضية بان الايرانيين يدعمون التمرد وانهم يقومون بذلك منذ البداية وان ايران في الواقع تدعم قتل الامريكان." واكد مستشار البنتاغون بان القوات الامريكية اعتقلت مئات الايرانيين في الاشهر الاخيرة ولكنه قال لي بان الرقم يشمل الكثير من عمال الاغاثة الايرانيين الذين اعتقلوا ثم اطلق سراحهم بعد استجوابهم .
في 2 فبراير اعلن روبرت جيتس وزير الدفاع الجديد "اننا لا نخطط لشن حرب على ايران"، ومع ذلك فإن اجواء المواجهة تصاعدت. وطبقا لمسئولي استخبارات وجيش حاليين وسابقين فإن عمليات سرية تجري في لبنان وايران في وقت متزامن. وقد صعدت فرق العمليات الخاصة والجيش الامريكي من عملياتهم في ايران لجمع معلومات استخباراتية طبقا لمستشار في البنتاغون لشؤون الارهاب ومسئول الاستخبارات البارز السابق ، وقد عبرت الحدود ايضا في مطاردة الجواسيس الايرانيين في العراق.
لدى ظهور رايس في مجلس الشيوخ في يناير، سألها قاصدا السناتور الديمقراطي جوزف بايدن من ديلاوير ما اذا كانت الولايات المتحدة تخطط لعبور الحدود الايرانية او السورية في خضم المطاردة . اجابت رايس "من الواضح ان الرئيس لن يستثني شيء من اجل حماية قواتنا ولكن الخطة هي تفكيك هذه الشبكات في العراق" واضافت " اعتقد ان الكل يدرك انني و الشعب الامريكي نفترض ان الكونغرس يتوقع من الرئيس ان يفعل ما يلزم لحماية قواتنا "
كانت اجابة مبهمة حفزت نائب نبراسكا السناتور تشاك هاجل وهو جمهوري طالما انتقد الادارة ، ان يقول :
" بعضنا يتذكر 1970 ياسيدتي الوزيرة . وتلك كانت كامبوديا. وحين كذبت ادارتنا على الشعب الامريكي وقالت "لم نعبر الحدود الى كامبوديا" كنا قد عبرناها في الواقع .
وانا اعرف شيئا عن ذلك مثل بعضنا في هذه اللجنة. ولهذا ياسيدتي الوزيرة ، حين تحركين هنا ذلك النوع من السياسة التي يتحدث عنها الرئيس، فإن هذا شيء في غاية الخطورة "
ان قلق الادارة من دور ايران في العراق يرافقه ذعر طويل المدى حول برنامج ايران النووي . وفي شبكة فوكس للاخبار في 14 يناير ، حذر تشيني من امكانية قد تتحقق في المستقبل القريب "لايران نووية قرب خزين العالم من البترول وستكون قادرة على التأثير السلبي على الاقتصاد الكوني ومستعدة لاستخدام منظمات ارهابية و /او اسلحتها النووية لتهديد جيرانها والاخرين حول العالم " . كما قال ايضا "اذا ذهبت وتحدثت مع دول الخليج او اذا تحدثت مع السعوديين او الاسرائيليين او الاردنيين ، كل المنطقة قلقة ... ان التهديد الذي تمثله ايران يتزايد"
تقوم الادارة حاليا بفحص موجة من المعلومات الاستخباراتية الجديدة حول برامج اسلحة ايران . وقد ابلغني مسئولون امريكان حاليون وسابقون بان المعلومات التي جاءت من العناصر الاسرائيلية العاملة في ايران بضمنها الزعم بان ايران طورت صاروخا يصل مداه الى اوربا ذا ثلاث مراحل وصلب الوقود و قادر على ايصال عدة رؤوس حربية صغيرة بدقة محدودة لكل منها . ومازال الجدل قائما حول صدقية هذه المعلومات الاستخبارية البشرية .
وقد كان هناك جدل مماثل حول الخطر الوشيك الذي تمثله اسلحة دمار شامل واسئلة حول دقة المعلومات التي استخدمت لصياغة تلك القضية التي شكلت تمهيدا لغزو العراق. وقد استقبل الكثيرون في الكونغرس هذه المزاعم حول ايران بحذر. في مجلس الشيوخ في 14 فبراير، قالت هيلاري كلنتون "لقد تعلمنا جميعا دروسا من الصراع في العراق، وعلينا تطبيق تلك الدروس على أي مزاعم تثار حول ايران . لأنه يا سيدي الرئيس ، ما نسمعه يدق جرسا مألوفا ويجب علينا الاحتراس لئلا نصدر قرارات مرة اخرى على اساس معلومات يتضح خطؤها فيما بعد".
وبالرغم من ذلك ، فإن البنتاغون ماض في التخطيط المكثف لقصف ايران بالقنابل ، وهو اجراء بدأ السنة الماضية بأمر الرئيس. في الاشهر الاخيرة ، اخبرني المسئول الاستخباراتي السابق بان مجموعة تخطيط خاصة قد تشكلت في مكاتب هيئة الاركان المشتركة ومهمتها رسم خطة طواريء لقصف ايران يمكن تنفيذها اذا امر الرئيس بذلك ، في خلال 24 ساعة .
في الشهر الماضي ، ابلغت من قبل مستشار في القوة الجوية لشؤون الاستهداف و مستشار في البنتاغون لشؤون الارهاب بان مجموعة تخطيط ايران قد تسلمت مهمة جديدة : تحديث الاهداف الايران المتورطة بدعم او مساعدة المقاتلين في العراق. وفيما سبق كان التركيز على تدمير المرافق النووية الايرانية وامكانية تغيير النظام.
وفي البحر العربي ، توجد الان حاملتا طائرات هي ايزنهاور وستينس . وهناك خطة لاستبدالهما في اوائل الربيع ولكن هناك الان قلق داخل الجيش بان الحاملتين قد تؤمران بالبقاء في المنطقة بعد وصول الحاملتين الجديدتين حسبما ترى مصادر عديدة.(ومن بين اسباب القلق الاخرى ، فقد بينت المناورات التدريبية بان حاملات الطائرات قد تكون فريسة سهلة لتكتيكات احتشاد اسراب القوارب الصغيرة وهو تكنيك مارسه الايرانيون في الماضي . وحاملات الطائرات لها قدرة محدودة على المناورة في مضيق هرمز الضيق امام ساحل ايران الجنوبي) . وقال مسئول الاستخبارات البارز السابق بأن خطط الطواريء الراهنة تسمح بأمر بالهجوم هذا الربيع . واضاف، على اية حال، ان الضباط الكبار في هيئة الاركان المشتركة يعولون على ان البيت الابيض لن يكون "غبيا الى درجة القيام بهذا في ضوء مايجري في العراق والمشاكل التي سوف يتسبب بها مثل هذا الامر للجمهوريين في 2008
لعبة الامير بندر
جهد الادارة لتحجيم النفوذ الايراني في الشرق الاوسط اعتمد بشكل رئيسي على السعودية وعلى الامير بندر مستشار الامن القومي السعودي. شغل بندر منصب السفير لدى الولايات المتحدة لمدة اثنين وعشرين سنة حتى عام 2005 وقد ابقى على حبال الود مع الرئيس بوش ونائب الرئيس تشيني . وفي منصبه الجديد يستمر في اللقاء بهما سرا، وبالمقابل قام مسئولون بارزون في البيت الابيض بزيارات متكررة للسعودية مؤخرا وبعض هذه الزيارات لم يفصح عنها.
في نوفمبر الماضي ، طار تشيني الى السعودية في لقاء مفاجيء مع الملك عبد الله وبندر. ونشرت التايمز بان الملك حذر تشيني بان السعودية سوف تساند السنة في العراق اذا انسحبت الولايات المتحدة . وقد اخبرني مسئول استخباراتي اوربي بأن اللقاء ركز ايضا على مخاوف سعودية عامة اخرى حول "صعود الشيعة" وكرد فعل "بدأ السعوديون في استخدام قوتهم .. المال "
في عائلة ملكية زاخرة بالتنافس ، استطاع بندر، على مر السنوات ، ان يبني قاعدة قوة تعتمد بشكل رئيسي على علاقته الوثيقة بالامريكان وهي مسألة حيوية للسعودية. وقد خلف بندر الامير تركي الفيصل الذي استقال بعد ثمانية اشعر شهرا وحل محله عادل الجبير وهو بيروقراطي سبق له العمل مع بندر. وقد اعلمني دبلوماسي سعودي سابق انه خلال عمله في واشنطن ، بلغ اسماع تركي ان هناك لقاءات سرية تجري بين بندر ومسئولين كبار في البيت الابيض بضمنهم تشيني وابرامز . ويقول السعودي "اعتقد ان تركي لم يكن سعيدا بذلك " ولكنه اضاف "لا اعتقد ان بندر كان يتصرف من تلقاء نفسه " ويضيف السعودي بأنه رغم كراهية تركي لبندر فإنه كان يشاركه هدفه في مواجهة تصاعد قوة الشيعة في الشرق الاوسط.
الخلاف بين الشيعة والسنة يعود الى انقسام مرير في القرن السابع حول من كان يجب ان يخلف النبي محمد. وقد سيطر السنة على الخلافة القرون اوسطية والامبراطورية العثمانية ، وقد همش الشيعة تقليديا . وفي كل انحاء العالم يشكل السنة تسعين بالمائة من المسلمين ، ولكن الشيعة هم الاغلبية في ايران و العراق والبحرين وهم اكبر جماعة اسلامية في لبنان . وقد ادى تركزهم في منطقة مضطربة وغنية بالبترول الى قلق في الغرب وبين السنة حول بزوغ (الهلال الشيعي) لاسيما اذا اخذنا بنظرالاعتبار الثقل الجيوبولتيكي المتنامي لإيران.
"السعوديون مازالوا يرون العالم من خلال ايام الامبراطورية العثمانية حين كان المسلمون السنة يجثمون على الحكم والشعية في اسفل طبقة " كما قال لي فريدريك هوف، الضابط العسكري المتقاعد وخبير الشرق الاوسط واضاف انه اذا نظر الى بندر بأنه يدفع في اتجاه تحول في السياسة الامريكية لصالح السنة ، فهذا سوف يعزز مكانته داخل العائلة المالكة الى حد كبير.
السعوديون مدفوعون بخوفهم من ان ايران يمكن ان تميل بكفة ميزان القوى ليس فقط في المنطقة ولكن في بلادهم ايضا. في السعودية هناك اغلبية شيعية مهمة في المحافظة الشرقية ، وهي منطقة غنية بحقول النفط الرئيسية ، والتوتر الطائفي شديد في تلك المحافظة. وتعتقد العائلة المالكة ان الجواسيس الايرانيين بالتعاون مع الشيعة المحليين كانوا وراء الهجمات الارهابية العديدة داخل المملكة ، طبقا لوالي نصر "اليوم ، الجيش الوحيد القادر على احتواء ايران – الجيش العراقي ، قد دمرته الولايات المتحدة. انك تتعامل الان مع ايران التي قد تكون لديها قدرات نووية ولديها جيش قائم من اربعمائة وخمسين الف جندي .( السعودية لديها خمسة وسبعون جنديا فقط )
ويضيف نصر "للسعوديين موارد مالية هائلة وعلاقات عميقة مع الاخوان المسلمين والسلفيين – وهم المتطرفون السنة الذين يعتبرون الشيعة كفارا "آخر مرة كانت ايران خطرا حرك السعوديون اسوأ انواع الاصوليين الاسلاميين. وحالما تخرجهم من العلبة ، فإنك لا تستطيع اعادتهم "
كانت العائلة المالكة السعودية على التوالي، راعية وهدفا للمتطرفين السنة الذين يعارضون الفساد والتفسخ في اوساط امراء العائلة الذين لا يعدون ولا يحصون. ويراهن الامراء على استمرار بقائهم في الحكم طالما يستمرون في مساندة المدارس الدينية والجمعيات الخيرية المرتبطة بالمتطرفين . و ستراتيجية الادارة الجديدة تعتمد بشدة على هذه الصفقة.
قارن نصر الوضع الحالي بفترة اول ظهور القاعدة. في الثمانينات واوائل التسعينات عرضت الحكومة السعودية المساعدة في الحرب السرية لوكالة المخابرات المركزية الامريكية ضد الاتحاد السوفيتي في افغانستان . وقد ارسل المئات من الشبان السعوديين الى مناطق باكستان الحدودية حيث اقاموا مدارس دينية وقواعد تدريب و تسهيلات تجنيد . وفي تلك الفترة كما هي الان فإن الكثير من المجندين الذين كانوا يقبضون من الاموال السعودية كانوا من السلفيين . ومن بينهم طبعا كان اسامة بن لادن ورفاقه الذين انشأوا القاعدة في 1988 .
ولكن هذه المرة كما اخبرني المستشار الحكومي الامريكي فإن بندر وسعوديين آخرين اكدوا للبيت الابيض بانهم "سوف يراقبون عن كثب المتدينين الاصولين. كانت رسالتهم لنا : "لقد خلقنا هذه الحركة ويمكننا ان نسيطر عليها " المسألة ليست اننا لا نريد السلفيين ان يلقوا القنابل ولكن على من يلقونها !! حزب الله ومقتدى الصدر وايران وعلى السوريين اذا استمروا بالعمل مع حزب الله وايران ."
وقال السعودي انه من وجهة نظر بلاده فإنها تقوم بمخاطرة سياسية بالتحالف مع الولايات المتحدة في مواجهة ايران: والعالم العربي ينظر الى بندر على انه شديد القرب من ادارة بوش . قال لي الدبلوماسي السابق "لدينا كابوسان: ان تحصل ايران على القنبلة وان تهاجم الولايات المتحدة ايران . وانا افضل ان يقصف الاسرائيليون الايرانيين حتى نستطيع ان نلومهم . اذا قامت امريكا بذلك فسوف يقع اللوم علينا ."
في العام الماضي ، طور السعوديون والاسرائيليون وادارة بوش سلسلة من التفاهمات غير الرسمية حول اتجاههم الستراتيجي الجديد الذي يشتمل على اربعة عناصر على الاقل كما اخبرني المستشار الحكومي الامريكي . اولا التأكيد لاسرائيل ان امنها يأتي في المقدمة وان واشنطن والسعودية والدول السنية الاخرى يشاركونها قلقها من ايران .
ثانيا – السعوديون سوف يحثون حماس، الحزب الفلسطيني الاسلامي التي تتسلم دعما ايرانيا على ان تقطع عملياتها ضد اسرائيل وان تبدأ محادثات جادة حول المشاركة في القيادة مع فتح وهي المنظمة الفلسطينية الاكثر علمانية . (في فبراير رعى السعوديون صفقة في مكة بين الفصيلين . ولكن على اية حال ابدت اسرائيل والولايات المتحدة استيائهما من الشروط).
العنصر الثالث هو ان تبدأ ادارة بوش في العمل مباشرة مع الدول السنية لمكافحة بروز الشيعة في المنطقة.
العنصر الرابع سوف تقدم السعودية ، بموافقة واشنطن ، التمويل والعون اللوجستي لاضعاف حكومة الرئيس السوري بشار الاسد. ويؤمن الاسرائيليون بان مثل هذا الضغط على حكومة الاسد سوف يدفعها الى التفاوض. وسوريا هي المصدر الرئيسي لتسليح حزب الله. كما ان الحكومة السعودية تشعر بالغضب من السوريين حول اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق. في بيروت عام 2005، حيث تعتقد ان حكومة الاسد مسؤولة عنه. والحريري المليونير السني كان شديد الارتباط بالنظام السعودي ومع الامير بندر (اشار تحقيق للامم المتحدة الى تورط السوريين ولكنه لم يقدم دليلا مباشرا وهناك خطط للقيام بتحقيق آخر بواسطة محكمة دولية ).
اعتبر باتريك كلوسون من معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى تعاون السعوديين مع البيت الابيض انفتاحا مهما، وقد اخبرني ان " السعوديين يفهمون انهم اذا ارادوا الادارة ان تقدم عرضا سياسيا اكثر كرما للفلسطينيين، فعليهم اقناع الدول العربية بتقديم عرض يوازيه في الكرم للاسرائيليين ". ويضيف بأن المقاربة الدبلوماسية الجديدة " تبين درجة حقيقية من الجهد والتطور اضافة الى لمسة أناقة لم تعرفها هذه الادارة من قبل. من يخاطر المخاطرة الاعظم – نحن ام السعوديون؟ في الوقت الذي يتردى بشدة وضع امريكا في الشرق الاوسط يأتي السعوديون لانقاذنا. يجب ان نحمد الله على هذه النعم "
ولكن لمستشار البنتاغون رأيا مختلفا. يقول ان الادارة استدارت الى بندر لتضمن خط رجعة حيث انها تدرك ان الحرب الفاشلة في العراق قد تترك الشرق الوسط لقمة سائغة للطامعين .
الجهاديون في لبنان
بعد ايران تركز العلاقة الامريكية – السعودية على لبنان حيث يشارك السعوديون بعمق في جهود الادارة لدعم الحكومة اللبنانية. ويصارع رئيس الوزراء فؤاد السنيورة للبقاء في السلطة ضد معارضة مستمرة يقودها حزب الله، المنظمة الشيعية وقائدها الشيخ حسن نصر الله . حزب الله لديه بنى تحتية هائلة ، وحوالي الفان الى ثلاثة الاف مقاتل فعلي اضافة الى الاف من الاعضاء الاضافيين .
كان حزب الله على قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الارهابية منذ 1997. وقد اتهمت المنظمة بتفجير ثكنات المارينز في بيروت عام 1983 ومقتل مائتين وواحد واربعين عسكريا . كما اتهمت بالتواطيء في خطف امريكيين بضمنهم رئيس محطة المخابرات المركزية الامريكية في لبنان الذي مات في الاسر ومقتل كولونيل مارينز كان يخدم مع قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة (نفى نصر الله تورط حزبه في هذه الحوادث) ويعتبر نصر الله في نظر الكثيرين ارهابيا ينكر على اسرائيل حق الوجود. ولكن الكثيرين في العالم العربي وخاصة الشيعة ينظرون اليه كقائد مقاومة وقف بوجه اسرائيل في حرب الثلاثة والثلاثين يوما في الصيف الفائت. وينظرون الى السنيورة على انه سياسي ضعيف يعتمد على الدعم الامريكي ولكنه لم يستطع ان يقنع الرئيس بوش بمطالبة اسرائيل بوقف قصف لبنان (وقد حمل المحتجون في شوارع بيروت نسخا من صورته وهو يقبل كوندليزا رايس على وجنتها حين زارت لبنان اثناء الحرب ).
وقد تعهدت ادارة بوش في الصيف الماضي وعلى الملأ بتقديم مساعدات بمبلغ بليون دولار لحكومة السنيورة . وتعهد مؤتمر للمانحين عقد في باريس تحت رعاية امريكية بتقديم ثمانية بلايين بضمنها وعد باكثر من بليون من السعوديين . وكان وعد الامريكيين يشمل اكثر من مائتي مليون دولار بشكل مساعدات عسكرية واربعين مليون دولار للامن الداخلي.
كما قدمت الولايات المتحدة دعما سريا لحكومة السنيورة طبقا لمسؤول الاستخبارات البارز السابق ومستشار الحكومة الامريكية "نقوم ببرنامج لتطوير القدرة السنية لمقاومة التأثيرات الشيعية ونحن نوزع الاموال هنا وهناك بقدر استطاعتنا . وكانت المشكلة دائما ان مثل هذه الاموال "تذهب الى جيوب اكثر مما قدرت " واضاف المسئول الاستخباراتي "وفي هذه العملية نحن نمول الكثير من الاشرار ، ونحصل على نتائج خطيرة غير مقصودة . ليس لدينا القدرة على التحديد او الطلب بتوقيع الشيكات من قبل من نريدهم ونستبعد من لا نريدهم . انها مغامرة فيها الكثير من المخاطرة ."
اخبرني المسئولون الامريكان والاوربيون والعرب الذين تحدثت اليهم بان حكومة السنيورة وحلفاءها سمحوا بان تنتهي بعض هذه المعونات الى ايدي الجماعات السنية الاصولية التي بدأت في الظهور في شمال لبنان، في وادي البقاع وحول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الجنوب. وهذه الجماعات رغم صغرها ينظر اليها الان باعتبارها حاجز امام حزب الله وفي نفس الوقت تتفق في ايدلوجيتها مع القاعدة .
خلال حديثه معي اتهم الدبلوماسي السعودي السابق نصر الله بمحاولة "اختطاف الدولة " ولكنه رفض ايضا الرعاية اللبنانية والسعودية للجهاديين السنة في لبنان "السلفيون بغيضون وانا اقف بقوة ضد فكرة مغازلتهم. انهم يكرهون الشيعة ولكنهم يكرهون الامريكان اكثر. اذا حاولت ان تكون اكثر ذكاء منهم سوف يغلبونك. سيكون صراعا قبيحا "
قال لي الستير كروك الذي قضى ثلاثين سنة تقريبا في المخابرات البريطانية MI6 ويعمل الان في منتدى الصراعات وهي مؤسسة فكرية في بيروت :" الحكومة اللبنانية تفتح مجالا لصعود هؤلاء الناس وقد يكون هذا شيئا خطيرا " وقال كروك ان احدى الجماعات المتطرفة السنية وهي (فتح الاسلام) التي انشقت عن (فتح الانتفاضة) الجماعة السورية الام في مخيم نهر البارد في شمال لبنان . وكان عدد اعضائها في ذلك الوقت اقل من مائتين . "قيل لي انه خلال اربع وعشرين ساعة قدمت لهم اسلحة واموال من اشخاص عرفوا انفسهم بأنهم ممثلون عن الحكومة اللبنانية ، بهدف ان يواجهوا حزب الله ".
اكبر هذه الجماعات (اسباط الانصار) ومقرها في مخيم عين الحلوة الفلسطيني وقد تسلموا اسلحة وتجهيزات من قوات الامن الداخلي اللبنانية والميليشيات المرتبطة بحكومة السنيورة .
في عام 2005 وطبقا لتقرير من مجموعة الازمات الدولية والتي مقرها في الولايات المتحدة فإن سعد الحريري زعيم الاغلبية السنية في البرلمان اللبناني وابن رئيس الوزراء السباق المغدور، قد ورث عن والده مبلغ اربعة بلايين دولار، دفع منها ثمانية واربعين الف دولار لاربعة اعضاء في جماعة سنية مقاتلة. وقد اعتقل الرجال عندما كانوا يحاولون انشاء دويلة اسلامية في شمال لبنان . ولاحظت مجموعة الازمات بان الكثير من المقاتلين "تدربوا في معسكرات القاعدة في افغانستان "
وطبقا لتقرير مجموعة الازمات فإن سعد الحريري استخدم اغلبيته البرلمانية للحصول على عفو عن اثنين وعشرين من الاسلاميين في اضافة الى سبعة مقاتلين كانوا متهمين بالتآمر لتفجير السفارتين الايطالية والاوكرانية في بيروت في العام المنصرم .( كما رتب للحصول عن عفو عن سمير جعجع قائد الميليشيا المسيحية المارونية الذي ادين بأربع جرائم سياسية بضمنها اغتيال رئيس الوزراء رشيد كرامي في 1987) وقد وصف الحريري تصرفاته للصحفيين بالانسانية .
في مقابلة في بيروت ، اقر مسئول كبير في حكومة السنيورة بان هناك جهاديين اسلاميين يعملون داخل لبنان "لدينا وجهة نظر ليبرالية تسمح لانماط القاعدة بالتواجد هنا " وعزا ذلك الى القلق من ان تقرر ايران او سوريا لتحويل لبنان الى "ميدان صراع" .
ويقول المسئول بان حكومته في وضع لايسمح بالفوز. وقال انه بدون تحقيق تسوية سياسية مع حزب الله فإن لبنان يمكن ان "ينزلق الى صراع " يقاتل فيه حزب الله قوات سنية بنتائج رهيبة محتملة . ولكن اذا وافق حزب الله على تسوية مع احتفاظه بجيش خاص يتحالف مع ايران وسوريا "قد تصبح لبنان هدفا . وفي كلا الحالين نصبح هدفا ".
صورت ادارة بوش دعمها لحكومة السنيورة كمثال على ايمان الرئيس بالديمقراطية ورغبته في منع قوى اخرى من التدخل في لبنان. وحين قاد حزب الله تظاهرات الشوارع في بيروت في ديسمبر وصفها جون بولتون الذي كان المندوب الامريكي لدى الامم المتحدة حينذاك "جزءا من الانقلاب المدعوم ايرانيا وسوريا "
يقول ليزلي هـ. جيلب الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية بان سياسة الادارة كانت اقرب منها الى مؤازرة الامن القومي الامريكي من الديمقراطية، حقيقة انه سيكون من الخطر جدا ان يحكم حزب الله لبنان " ويقول جيلب ان حكومة السنيورة ، لو سقطت ، فإن ذلك سيكون "مؤشرا على سقوط الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وصعود خطرالارهاب . وهكذا فأي تغيير في توزيع القوى السياسية في لبنان يجب ان تعارضه الولايات المتحدة – ونحن معذورون في مساعدة أي احزاب غير شيعية تقاوم ذلك التغيير . يجب ان نعلن ذلك على الملأ بدلا من الحديث عن الديمقراطية ."
ولكن مارتن اندايك من مركز سابان يقول بان الولايات المتحدة لا تملك ان تمنع المعتدلين في لبنان من التعامل مع المتطرفين ." ويضيف "الرئيس يرى المنطقة مقسومة بين معتدلين ومتطرفين ولكن اصدقاءنا الاقليميين يرونها انها مقسمة بين السنة والشيعة ومن نعتبرهم سنة متطرفين هم مجرد سنة في نظر هؤلاء الحلفاء."
في يناير، بعد اندلاع عنف الشوارع في بيروت الذي شارك فيه كل من انصار حكومة السنيورة وحزب الله ، طار الامير بندر الى طهران لمناقشة الموقف السياسي في لبنان وللقاء علي لاريجاني المفاوض الايراني حول القضايا النووية . وطبقا لسفير شرق اوسطي كانت مهمة بندر – التي صادق عليها البيت الابيض كما قال السفير – كانت تهدف ايضا الى "خلق مشاكل بين الايرانيين وسوريا" كانت هناك مشاكل بين الدولتين حول المحادثات السورية الاسرائيلية وكان هدف السعوديين تعميق الهوة . ولكن على اية حال كما يقول السفير "لم تنجح المحاولة وسوريا وايران لن تخونا احداهما الاخرى . من غير المحتمل جدا ان ينجح مسعى بندر"
لقد هاجم وليد جنبلاط زعيم الاقلية الدرزية في لبنان والنصير القوي للسنيورة ، نصر الله واصفا اياه بالعميل السوري وقد اخبر الصحفيين اكثر من مرة ان حزب الله يخضع للاوامر المباشرة من مرجعيته الدينية في ايران . وفي حديث معي في ديسمبر الماضي وصف الرئيس السوري بشار الاسد بأنه "سفاح " وقال ان نصر الله ، بسبب دعمه للسوريين ، "مذنب اخلاقيا " باغتيال رفيق الحريري وجريمة اغتيال بيير الجميل الوزير في حكومة السنيورة في نوفمبر الماضي .
وقد اخبرني جنبلاط بانه قابل نائب الرئيس تشيني في واشنطن في الخريف الماضي لمناقشة ، من بين قضايا اخرى ، احتمال اضعاف الاسد . وقد نصح هو وزملاؤه تشيني انه اذا حاولت الولايات المتحدة ان تتحرك ضد سوريا فإن عليها ان تتحدث مع جماعة الاخوان المسلمين السورية .
انخرطت جماعة الاخوان المسلمين السورية وهي فرع من الحركة السنية الاصولية التي تأسست في مصر عام 1928 ، في المعارضة المسلحة لأكثر من عقد من السنين ضد نظام حافظ الاسد والد بشار . وفي عام 1982 سيطر الاخوان على مدينة حماه فقصف الاسد المدينة لمدة اسبوع وقتل مابين ستة الاف الى عشرين الف منهم . والموت هو عقوبة الانضمام الى الاخوان في سوريا. والاخوان ايضا يعادون الولايات المتحدة واسرائيل . على اية حال، يقول جنبلاط " لقد ابلغنا تشيني بأن الرابط الاساسي بين ايران ولبنان هو سوريا ومن اجل اضعاف ايران تحتاج الى ان تفتح الباب لمعارضة سورية فعالة "
هناك شواهد على ان تغير مسار ستراتيجية الادارة صب فعلا في مصلحة الاخوان المسلمين . ان جبهة الانقاذ الوطني السورية هي تحالف لقوى معارضة من ابرز اعضائها فصيل بقيادة عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق والذي انشق في 2005 و الاخوان المسلمون. وقد اخبرني ضابط كبير سابق في وكالة المخابرات المركزية قائلا "لقد قدم الامريكان الدعم السياسي والمالي . السعوديون يتولون الدعم المالي ولكن هناك ايضا المشاركة الامريكية " وقال ان خدام الذي يعيش الان في باريس كان يستلم اموالا من السعودية بعلم البيت الابيض .(في 2005 التقى وفد من الجبهة بمسئولين من مجلس الامن القومي حسب تقارير الصحف) وقال لي مسئول سابق في البيت الابيض بان السعوديين وفروا لاعضاء الجبهة وثائق سفر.
يقول جنبلاط بأنه يتفهم ان القضية حساسة بالنسبة للبيت الابيض "اخبرت تشيني بان بعض الناس في العالم العربي وخاصة المصريين "- حيث القيادة السنية المعتدلة كانت تحارب جماعة الاخوان المسلمين المصرية لعشرات السنين – " لن يعجبهم ان تساعد الولايات المتحدة الاخوان المسلمين . ولكن اذا لم تواجهوا سوريا فسنكون نحن في لبنان وجها لوجه مع حزب الله في معركة طويلة قد لا يكون النصر حليفنا فيها "
الشيخ
في ليلة دافئة وصافية في اوائل ديسمبرالماضي ، وفي ضاحية مقصوفة تبعد عدة اميال الى جنوب مركز بيروت ، شهدت لمحات مما يمكن ان تعنيه ستراتيجية الادارة الجديدة في لبنان . وقد وافق الشيخ حسن نصر الله ، الامين العام لحزب الله والذي كان مختبئا، على ان اجري حوارا معه. كانت ترتيبات الامن للمقابلة سرية ومعقدة .
جلست في المقعد الخلفي لسيارة مظللة النوافذ نقلتني الى جراج مدمر تحت الارض في مكان ما من بيروت وتم تفتيشي بآلة كشف يدوية ثم انتقلت الى سيارة ثانية اخذتني الى جراج مدمر آخر تحت الارض ، ثم نقلت منه مرة اخرى . وفي الصيف الماضي كان قد اشيع ان اسرائيل تحاول قتل نصر الله ولكن الاحتياطات المبالغ بها لم تكن بسبب ذلك التهديد فقط . اخبرني مساعدو نصر الله بانهم يعتقدون انه هدف رئيسي للاشقاء العرب خاصة عناصر الاستخبارات الاردنية اضافة الى الجهاديين السنة الذين يعتقد بارتباطهم بالقاعدة . ( قال لي مستشار حكومي و جنرال متقاعد بأربع نجوم بأن الاستخبارات الاردنية بمساعدة من الولايات المتحدة واسرائيل كانت تحاول ان تخترق الجماعات الشيعية للعمل ضد حزب الله. وقد حذر ملك الاردن عبد الله الثاني من ان حكومة شيعية في العراق موالية لايران سوف تؤدي الى بزوغ الهلال الشيعي) . وهذه مفارقة : كانت معركة حزب الله مع اسرائيل في الصيف الماضي قد حولته – وهو الشيعي – الى اكثر الشخصيات شعبية وتأثيرا بين السنة والشيعة في عموم المنطقة . في الاشهر الاخيرة على اية حال لم يعد الكثير من السنة ينظرون اليه رمزا لوحدة العرب وانما جزءا من حرب طائفية .
كان نصر الله في انتظاري، في شقة لاتلفت الانتباه، يرتدي كالعادة زيه الديني. قال احد مستشاريه بانه ليس من المحتمل ان يبيت تلك الليلة في ذلك المبنى، فقد كان دائم التنقل منذ اتخذ قراره في يوليو الماضي باصدار الامر لاختطاف جنديين اسرائيليين في مداهمة عبر الحدود والتي اطلقت حرب الثلاثة والثلاثين يوما .وكان نصر الله قد قال علنا وكررها امامي بانه اخطأ في حساب رد الفعل الاسرائيلي "اردنا فقط ان نأسر جنديين لنفاوض على اطلاق سراح اسرانا . لم نكن نريد جر المنطقة الى حرب"
وقد اتهم نصر الله ادارة بوش بالعمل عمدا مع اسرائيل لاثارة (الفتنة) وهي كلمة عربية تستخدم لتعني " العصيان والتشظي داخل الاسلام ". قال :" وفي رأيي هناك حملة كبيرة في وسائل الاعلام في انحاء العالم لوضع كل طائفة في مواجهة الاخرى. واعتقد ان الاستخبارات الامريكية والاسرائيلية هما اللتان تديران هذه الحملة " (لم يقدم أي دليل محدد على قوله) وقال ان الحرب الامريكية في العراق زادت من التوترات الطائفية ولكنه قال ان حزب الله حاول ان يمنع انتشارها في لبنان (المواجهات العنيفة بين السنة والشيعة ازدادت خلال اسابيع من حديثنا".
ومما قاله نصر الله انه يعتقد ان هدف الرئيس بوش كان "رسم خارطة جديدة للمنطقة. انهم يريدون تقسيم العراق. العراق ليس على شفا الحرب الاهلية – بل هناك حرب اهلية. هناك تطهير عرقي وطائفي . القتل اليومي والتهجير يحدثان في العراق بهدف تقسيمه الى ثلاثة اجزاء تكون نقية عرقيا وطائفيا كمقدمة لتقسيم العراق . في خلال سنة او سنتين على الاكثر سوف تكون هناك مناطق سنية خالصة ومناطق شيعية خالصة ومناطق كردية كلية. وحتى في بغداد هناك خوف انها قد تقسم الى منطقتين : واحدة سنية واخرى شيعية ."
واستمر قائلا :" استطيع القول ان الرئيس بوش يكذب حين يقول انه لا يريد تقسيم العراق . كل الوقائع التي تحدث الان على الارض تجعلك تحلف بأنه يجر العراق الى التقسيم . وسوف يأتي يوم يقول فيه " لا استطيع ان افعل شيئا طالما ان العراقيين يريدون تقسيم بلادهم وانا احترم رغبات العراقيين ".
قال نصر الله انه يؤمن بان امريكا ايضا تريد تقسيم لبنان وسوريا. في سوريا ستكون النتيجة دفع البلاد "الى فوضى واقتتال داخلي مثل العراق " وفي لبنان " ستكون هناك دولة سنية ودولة علوية ودولة مسيحية ودولة درزية " ولكن " لا اعرف ان كانت ستقوم دولة شيعية " واخبرني بانه يظن بان احد اهداف القصف الاسرائيلي للبنان في الصيف الماضي كان "تدمير المناطق الشيعية وتهجير الشيعة من لبنان. الفكرة هي دفع شيعة لبنان وسوريا للهرب الى جنوب العراق " الذي تسيطر عليه الشيعة ، وقال " لست متأكدا ولكني اشم الرائحة "
وأوضح "ان التقسيم يجعل اسرائيل محاطة بدول صغيرة هادئة "اؤكد لك ان المملكة السعودية سوف تقسم ايضا وستصل القضية الى دول شمال افريقيا. ستكون هناك دول عرقية صغيرة. بتعبير آخر، ستكون اسرائيل اهم واقوى دولة في منطقة قسمت الى دول عرقية وطائفية ومتفقة مع بعضها البعض . هذا هو الشرق الاوسط الجديد."
في الواقع قاومت دارة بوش طويلا الحديث عن تقسيم العراق ومواقفها العلنية توحي بان البيت الابيض يرى لبنان المستقبل موحدا ولكن مع حزب الله ضعيف ومنزوع السلاح ويلعب دورا سياسيا صغيرا. كما انه ليس هناك من دليل يدعم اعتقاد نصر الله بان الاسرائيليين يسعون لدفع الشيعة الى جنوب العراق . وعلى اية حال فإن رؤية نصر الله لصراع طائفي اكبر تتورط فيه الولايات المتحدة توحي بنتيجة محتملة لستراتيجية البيت الابيض الجديدة.
في المقابلة، ابدى نصر الله اشارات ووعود قد يستقبلها خصومه بالتشكيك. قال "اذا قالت الولايات المتحدة بان المحادثات مع امثالنا يمكن ان تكون مفيدة ومؤثرة في تقرير السياسة الامريكية في المنطقة فليس لدينا اعتراض على الحوار واللقاءات "
"ولكن اذا كان هدفهم من خلال اللقاء فرض سياستهم علينا سيكون ذلك اضاعة للوقت" قال ان ميليشيا حزب الله ، مالم تُهاجَم ، ستعمل داخل الحدود اللبنانية وتعهد بنزع السلاح اذا استطاع الجيش اللبناني القيام بمهامه. وقال انه ليس من مصلحته اشعال حرب اخرى مع اسرائيل. ولكن اضاف انه على اية حال يتوقع ويستعد لهجوم اسرائيلي اخر في نهاية العام .
اصر نصر الله على ان تظاهرات الشوارع في بيروت سوف تستمر حتى تسقط حكومة السنيورة او تمتثل لمطالب تحالفه السياسية "ومن الناحية العملية ،هذه الحكومة غير قادرة على الحكم . تستطيع ان تصدر اوامر ولكن غالبية الشعب اللبناني لن تطيع ولن تعترف بشرعية هذه الحكومة . يبقى السنيورة في منصبه بسبب الدعم الدولي ولكن ليس معنى هذا انه يستطيع ان يحكم لبنان ."
يقول نصر الله ان تكرار ثناء الرئيس بوش على حكومة السنيورة احسن خدمة يمكن ان يقدمها للمعارضة اللبنانية لأنها تضعف مركزالحكومة امام الشعب اللبناني والشعوب العربية والاسلامية. انهم يراهنون على ان نتعب . ولكن اذا لم نتعب خلال الحرب فكيف نتعب من مظاهرات ؟"
هناك انقسام حاد داخل وخارج ادارة بوش حول افضل السبل للتعامل مع نصر الله وما اذا كان يستطيع في الواقع ان يكون شريكا في التسوية السياسية . فمدير الاستخبارات القومية المغادر جون نيغروبونتي في جلسة الوداع امام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ في يناير قال ان حزب الله "يقع في مركز الستراتيجية الارهابية الايرانية .. قد يقرر شن هجمات ضد مصالح الولايات المتحدة في حالة شعر ان وجوده او وجود ايران قد تعرض للتهديد. ان حزب الله اللبناني يرى في نفسه شريكا لطهران ."
في عام 2002 وصف ريتشارد ارميتاج وكان نائب وزير الخارجية آنذاك ، حزب الله بانه ارهابي من "الدرجة الاولى " . ولكن في مقابلة حديثة اقر ارميتاج بان القضية اصبحت اكثر تعقيدا . و قال لي ان نصر الله برز " قوة سياسية على شيء من الاهمية وله دور سياسي يلعبه داخل لبنان اذا اختار ان يفعل ذلك ". وفيما يتعلق بالعلاقات العامة واللعبة السياسية يقول ارميتاج ان نصر الله "هو اذكى رجل في الشرق الاوسط" ولكنه يضيف ان على نصر الله "ان يقول بشكل واضح انه يريد ان يلعب دورا مناسبا كمعارضة نزيهة. بالنسبة لي مازال هناك ديْن دم يجب تسديده " في اشارة الى الكولونيل المقتول وتفجير الثكنة العسكرية .
من نقاد حزب الله المزمنين روبرت باير احد عناصر وكالة المخابرات المركزية في لبنان وقد حذر من علاقات حزب الله بالارهاب الذي ترعاه ايران . ولكنه الان يقول "لدينا عرب سنة يستعدون لصراع كبير وسوف نحتاج لمن يحمي المسيحيين في لبنان . كان الفرنسيون والامريكيون يفعلون ذلك في السابق ، ولكن سيقوم بالمهمة الان نصر الله والشيعة ".
ويضيف باير "اهم قصة في الشرق الاوسط نشوء نصر الله من رجل شارع الى قائد ، من ارهابي الى رجل دولة. ان الكلب الذي لم ينبح هذا الصيف – خلال الحرب مع اسرائيل – هو الارهاب الشيعي " وكان باير يشير الى المخاوف من ان نصر الله اضافة الى اطلاقه الصواريخ على اسرائيل واختطاف جنودها كان يمكن ان يحرك هجمات ارهابية على اهداف اسرائيلية وامريكية حول العالم . "كان يمكنه ان يضغط على الزناد ولكنه لم يفعل".
معظم اعضاء الدوائر الاستخباراتية والدبلوماسية يقرون بعلاقات حزب الله المستمرة بايران ، ولكن هناك اختلافا حول المدى الذي يمكن ان يصل اليه نصر الله في تفضيل مصالح ايران على مصالح حزبه . وقد وصف ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية بلبنان نصر الله بانه "ظاهرة لبنانية. ولكنه مدعوم من ايران وسوريا. ولكن حزب الله ذهب ابعد من ذلك " وقال لي انه كانت هناك فترة في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات حين كانت محطة المخابرات المركزية في بيروت قادرة على التنصت على محادثات نصر الله، وقد وصفه بانه مثل "زعيم عصابة يستطيع ان يعقد صفقات مع عصابات اخرى . ان له علاقات مع الجميع ."
ابلاغ الكونغرس
ان اعتماد ادارة بوش على العمليات السرية التي لم تصل الى اسماع الكونغرس وصفقاتها مع وسطاء ذوي اجندة مثيرة للجدل، يستدعي الى اذهان البعض في واشنطن، فصلا سابقا من التاريخ . قبل عشرين سنة ، حاولت ادارة ريغان ان تمول ثوار الكونترا في نيكاراغوا بصورة غير شرعية ، بواسطة بيع اسلحة الى ايران سرا . وقد شاركت السعودية باموالها فيما اصبح يعرف بفضيحة ايران كونترا ، وبعض اللاعبين في حينها واهمهم الامير بندر واليوت ابرامز هم انفسهم المتورطون في صفقات اليوم .
قبل سنتين جرت مناقشة غير رسمية حول " الدروس المستقاة " من ايران كونترا اشترك فيها ابطال الفضيحة . وقد بادر ابرامز بادارة النقاش . وأحد الاستنتاجات كانت انه حتى مع كشف البرنامج ، كان من الممكن تنفيذه بدون ابلاغ الكونغرس. اما حول الدرس الذي تعملوه من التجربة فيما يتعلق بالعمليات السرية المستقبلية ، وجد المشاركون "اولا انك لاتستطيع الثقة باصدقائك. ثانيا يجب ان تكون وكالة المخابرات المركزية خارج اللعبة تماما. ثالثا انك لا تستيطع الثقة بافراد الجيش . رابعا يجب ان تدار العمليات من مكتب نائب الرئيس" في اشارة الى دور تشيني كما قال مسئول الاستخبارات السابق.
وقد اخبرت لاحقا من قبل مستشاري الحكومة ومسئول الاستخبارات السابق بان اصداء ايران كونترا كانت عنصرا في قرار نيغروبونتي للاستقالة من منصبه كمدير للاستخبارات القومية وقبوله منصبا ثانويا في الوزارة كنائب لوزيرة الخارجية . (رفض نيغروبونتي ان يعلق ).
كما اخبرني مسئول الاستخبارات الكبير السابق بان نيغروبونتي لم يرغب في اعادة تجربته مع ادارة ريغان حين خدم كسفير في الندوراس . قال نيغروبونتي "لاسبيل الى ذلك . لن امشي ذلك الطريق مرة اخرى ومجلس الامن القومي يدير عمليات خارج السجلات بدون ان يعلم بها احد" (في حالة العمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية ، يجب ان يصدر الرئيس قرارا بابلاغ الكونغرس) وبقي نيغروبونتي نائبا لوزيرة الخارجية واضاف لأنه "يعتقد انه هكذا يستطيع ان يؤثر في الحكومة بطريقة ايجابية "
وقال مستشار الحكومة بان نيغروبونتي شارك في الاهداف السياسية للبيت الابيض ولكنه يريد ان يفعل ذلك "حسب القوانين" واخبرني مستشار البنتاغون ايضا بان "هناك احساس في مستوى الرتب العليا بانه لم يكن مؤيدا تماما للمغامرات الاكثر سرية " وقال انه في الواقع ان نيغروبونتي " كانت لديه مشاكل مع بدع السياسة من طراز "روب غولدبرج" * لترتيب الشرق الاوسط".
أضاف مستشار البنتاغون بان احد هذه الصعوبات ، كان المساءلة فيما بتعلق بالتمويل السري "هناك الكثير الكثير من جرار المال الاسود متناثرة في اماكن كثيرة حول العالم وفي مهام متنوعة ". فوضى الميزانية في العراق حيث اختفت بلايين الدولارات كانت المنطلق لمثل هذه التعاملات ، طبقا لمسئول الاستخبارات السابق والجنرال المتقاعد ذي الاربع نجوم.
قال لي مساعد مجلس الامن القومي السابق "هذا يرجع الى ايران كونترا وهم يبذلون الكثير من اجل ابعاد الوكالة عن هذه العمليات " وقال ان الكونغرس لايجري تبليغه بالمدى الذي تصل اليه العمليات الامريكية السعودية. وقال "وكالة المخابرات المركزية تتساءل :" ماذا يحدث ؟" انهم يشعرون بالقلق حيث يعتقدون ان مايجري هو عمل هواة ؟
قضية الاشراف والمراقبة بدأت تنال اهتماما من الكونغرس . في نوفمبر الماضي اصدرت ادارة خدمة الابحاث في الكونغرس تقريرا للكونغرس حول ما تظنه تشويشا من الادارة على الخط الفاصل بين انشطة وكالة المخابرات المركزية والعمليات العسكرية البحتة والتي لا تتطلب ابلاغ الكونغرس . وقد حددت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ برئاسة السناتور جي روكفلر يوم 8 مارس لجلسة استماع حول انشطة استخبارات وزارة الدفاع .
وقد ابلغني السناتور رون وايدن من ولاية اوريغون وهو ديمقراطي وعضو لجنة الاستخبارات :" لقد فشلت ادارة بوش مرارا في التقيد بالتزاماتها القانونية القاضية بإطلاع لجنة الاستخبارات اطلاعا كاملا ومستمرا . وفي كل مرة يكون الجواب "ثقوا بنا " ويقول وايدن "من الصعب بالنسبة لي ان اثق بالادارة."
-----
* روب غولدبرج - رسام كاريكاتير امريكي (1900 – 1960) اشتهر برسومه التي يصور فيها مكائن سخيفة تثير الضحك كأن يرسم آلات تبدو معقدة من اجل تطيير طائرة ورقية من شباك الغرفة بدلا من الخروج بها الى الهواء الطلق كما يفعل كل الاطفال .. وتسمى رسومه مشاريع او بدع غولدبرج . وتشبيه شيء ببدع غولدبرج يعني القيام بعملية معقدة او عملية التفاف من اجل تنفيذ مهمة بسيطة – المترجمة
المصدر : مجلة نيويوركر عدد مارس 2007
ارجو في حالة اعادة النشر الاشارة الى اسم المترجمة مع جزيل الشكر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق