الجمعة، 16 مارس 2012

اسطورة الزرقاوي والحرب الأهلية

بقلم: مايك وتني 
نشرت المقالة في 21 نيسان 2006 هنا
ترجمة بثينة الناصري
بعد ان كان الزرقاوي ملء الاسماع ، فجأة بدأنا نسمع عن مغادرته العراق وتنصيب عراقي بدلا منه، ثم انقطعت اخباره شيئا فشيئا. ماذا حدث؟ ولماذا قبض على مئات المساعدين له ولم يقبض عليه؟
أجبر الفشل في بناء دعم لحرب العراق، البنتاغون على اجراء تغييرات كبيرة في عمليات الحرب النفسية . وقد ضخت اسطورة صانع الارهاب ابو مصعب الزرقاوي من اجل خطاب مختلف تماما يتركز على تأجيج حرب اهلية في العراق. وقد تلاشت اسطورة الزرقاوي الاعلام منذ تفجير جامع سامراء ذي القبة الذهبية وهو احد الرموز الاسلامية الكبيرة. من تلك اللحظة، استبدل الزرقاوي الذي صنّع ليمثل المتطرف، بحدث يعتبر الذروة في العراق والذي يشبه في تأثيره 11 ايلول ويستخدم من اجل اخفاء الدمار الهائل الذي جاء به الاحتلال الامريكي للعراق.في الاسبوع الماضي اعلن اللفتنانت جنرال جون فاينز لجماعة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى ان الزرقاوي قد اعترف بهزيمة ستراتيجية في العراق وانه (في طريقه الى خارج البلاد) . واضاف فاينز ان القاعدة (لم تعد تنظر للعراق كأرض خصبة لاقامة الخلاقة وكأرض لشن ارهاب دولي منها) . من السخف بطبيعة الحال ان نتصور ان فاينز يعرف كيف يمكن ان يفكر (ارهابي اجنبي) او متى يفكر في الانتقال من مكان الى آخر . الهدف الحقيقي لاعلان فاينز هو محو الزرقاوي وتمهيد الطريق لاسطورة البنتاغون الجديدة : الحرب الاهلية .

في بداية الاسبوع كشفت واشنطن بوست كذبة الزرقاوي حين اعترف الكولونيل ديريك هارفي ان الجيش عمل قاصدا على (تضخيم صورة الزرقاوي) من اجل خلق الانطباع ان الصراع ضد الاحتلال كان في الحقيقة هو حرب ضد الارهاب. وكما قال هارفي "ان الخطر طويل المدى ليس الزرقاوي او المتطرفين الاسلاميين وانما اتباع النظام السابق واصدقاؤهم".

لقد كان الزرقاوي اداة مؤثرة في تشتيت الانتباه عن الاحتلال
(ليس هذا هو السبب الرئيسي لاختراع الزرقاوي والذي كان لايهام الشعب الامريكي ان الحرب في العراق هي ضمن الحرب على الارهاب والقاعدة وكذلك لتنفير الشعب العراقي من المقاومة الوطنية - المترجمة) ولكن الان قد استبدل بتشتيت آخر محسوب بدقة : العنف الطائفي. الاعلام الان يركز كل انتباهه على الميليشيات الخارجة عن السيطرة التي تهاجم الجوامع والاسواق على سواء ، وتختطف مئات الشبان كل اسبوع وتعذبهم وتقتلهم بالدريلات ورصاص في مؤخرة الرأس .

وسواء كانت القصة حول (ارهابيين) مخاتلين او حرب اهلية ، فإن الامبرياليين يصرون على السيطرة على الاخبار بتلفيق قصص تتلقفها وتعيدها الصحافة. معظم ما نقرأه هو مجرد تلخيصات للبنتاغون حول العنف اليومي. وينبغي علينا السعي وراء الحقيقة في مستوى مختلف تماما حيث تكون حقائق الاحتلال الوحشي واهدافه السوداء واضحة تماما.
لم تترك المقاومة العراقية ستراتيجيتها الاصلية وهي مهاجمة قوات الاحتلال والقوات الامنية العراقية وخطوط انابيب النفط. ولماذا يفعلون ذلك وستراتيجيتهم ناجحة ؟ انفكرة انهم تحولوا فجأة من حرب العصابات الى عنف طائفي بعد تدمير جامع سامراء هي اسطورة مقصود بها اقناع الشعب الامريكية ان اشتداد العنف ليس سببه الاحتلال وانما انقسامات دينية واثنية عميقة.

ولكن هذا ليس هو مايحدث.

الحقيقة هي ان فرق الموت التي سلحها ودربها الامريكان يهاجمون السنة والشيعة في نفس الوقت من اجل تسهيل تفتيت العراق والذي خطط له البنتاغون والايديولوجيون اليمينيون منذ البداية. والاعلام طبعا يساعد في حملة تشويه المعلومات هذه وذلك باهمال اسطورة الزرقاوي والتركيز على قصة جديدة تتركز على تهديم الجامع العسكري في سامراء . يجب ان ينتبه القراء الى ظهور هذه الفكرة تقريبا في كل مقالة تنشر في نيويورك تايمز وواشنطن بوست وهما رائدنا نظام البروباجندة الامريكية .

كانت هناك ثلاث مناسبات ربطت بين القوات المتحالفة وحوادث التفجيرات التي توضع على عاتق المجاهدين الاجانب او المقاومين (السنة) . اولها الحادثة الشهيرة في البصرة حيث قبض على بريطانيين متنكرين بملابس عربية ويركبان شاحنة مليئة بالمتفجرات . وقد دفع الهلع بالقوات البريطانية الى اقتحام سجن البصرة والافراج عن جنديين من ساس (القوات الخاصة) خوفا من ربط قوات الاحتلال مباشرة مع التفجيرات الوحشية المصممة لاثارة حرب طائفية.

في مقابلة توضح هذه النقطة ، على التفزيون السوري لمراسله زياد المنجد في ليلة القبض على الجنديين. قال المنجد:

"الحادثة تقدم اجوبة للاسئلة والشكوك التي كانت تفتقر للادلة حول مساهمة الاحتلال في بعض العمليات المسلحة في العراق. الكثير من المحللين والمراقبين هنا كان لديهم شكوك بان الاحتلال متورط في بعض العمليات ضد المدنيين واماكن العبادة وفي قتل العلماء . ولكن هذه كانت مجرد شكوك بدون دليل . وجاء الدليل اليوم من خلال القبض على الجنديين البريطانيين في اثناء زرعهم لمتفجرات في احد شوارع البصرة . وهذا يدل ، طبقا للمراقبين، على ان الاحتلال ليس بعيدا عن الكثير من العمليات التي تسعى لزرع بذور الفتنة والابقاء على الفوضى لأن هذا يعطي الاحتلال مبررا للبقاء في العراق لفترة طويلة."

وظهر دليل آخر على تواطيء الامريكان في صحيفة بوسطن جلوب التي نشرت مقالة تقول " شنت وحدة مكافحة الارهاب في الاف بي آي تحقيقا واسعا في عصابات سرقة مقرها الولايات المتحدة بعد اكتشاف مركبات استخدمت في تفجيرات وتفخيخات في العراق بضمنها هجمات قتلت قواتا امريكية ومدنيين عراقيين وهي من المحتمل مسروقة من الولايات المتحدة طبقا لمسؤولين امريكان كبار (مقالة- سيارات مسروقة من الولايات المتحدة استخدمت في هجمات انتحارية – بريان بيندر) .

المعنى واضح ، الاستخبارات الامريكية كانت تستورد سيارات مسروقة من امريكا لاستخدامها في "عمليات انتحارية " مزيفة.
حادثة اخرى لم تنشرها أي وكالة انباء سوى رويترز:
القبض على امريكي معه اسلحة في العراق
رويترز ‏ 15/3/2006 – "القي القبض على امريكي وصف بانه مقاول امني من قبل الشرطة في مدينة بشمال العراق وهو يحمل اسلحة في سيارته . وقد قال عبد الله جبارة معاون محافظ صلاح الدين لرويترز ان الرجل القي القبض عليه في مدينة تكريت يوم الاثنين .
وقال مركز التنسيق المشترك بين الولايات المتحدة والجيش العراقي في تكريت ان الرجل الذي وصفته بانه مقاول امني يعمل في شركة خاصة وكان بمعيته متفجرات وجدت في سيارته . وقالت انه اعتقل يوم الثلاثاء ."

تذكروا .. لم يعتقل عراقي واحد مع متفجرات ينوي ان يفجر بها المدنيين . الاشخاص الوحيدون الذين اعتقلوا مع متفجرات يرتبطون بالاحتلال.
ودلائل اخرى على تورط الامريكيين في الارهاب بالعراق ظهرت بعد تدمير الجامع العسكري . قالت وكالة الانباء الفرنسية ان التفجير كان (عمل اخصائيين) و (وضع المتفجرات استغرق 12 ساعة على الاقل) . واضاف التقرير : " وزير الاعمار جاسم محمد جعفر قال "حفرت ثقوب في اربع اعمدة رئيسية في الضريح وملئت بالمتفجرات . ثم ربطت الشحنات معا ووصلت الى شحنة اخرى موضوعة تحت القبة . ثم ربطت الاسلاك بمفجر اطلق من على البعد "

ومن الواضح ان التفجير لم تنفذه جماعة مقاومة وانما مخربون مدربون نفذوا تفجيرا دقيقا من اجل اثارة فتنة طائفية. ويحمل التفجير علامات عملية مخابراتية سرية . ويقول شهود العيان ان القوات الامركيةوالحرس الوطني العراقي كانوا موجودين في المنطقة طوال الليل وان اصوات سير سياراتهم كان يسمع (طوال الليل وحتى صباح اليوم التالي) ويقول الناس الذين يعيشون حول المسجد انهم امروا ان يلتزموا بالبقاء في محلاتهم ولايغادرون المنطقة"

في الساعة السادسة والنصف صباحا غادرت القوات الامريكية وبعد عشر دقائق حدث التفجير .

ليس هناك شك ان الاحتلال متورط بشكل مباشر في تفجير الجامع وان ذلك لخلق اسطورة جديدة حول الحرب الاهلية.

حتى الان لم يجر تحقيق رسمي بقصف الجامع وكل وسيلة اعلام غربية استخدمته مثالا على حرب اهلية وشيكة.

ان ستراتيجية اثارة حرب اهلية لم تتغير ابدا. لو كانت الولايات المتحدة تريد فعلا ان تخلق أمنا في العراق لكانت زادت من عدد القوات في الارض . بدلا من ذلك اقنع رامسفيلد البيت الابيض انهم يحاربون الان (نوعا جديدا من الحرب) يتطلب عمليات مكافحة ارهاب ضخمة تصاحبها يوميا بروباجندة كبيرة . وهذا يتبع توجيهات هنري كسنجر حرفيا حين لخص استراتيجية الثمانينات (خلال الحرب الايرانية العراقية ) حين قال :" آمل ان يقتلوا بعضهم بعضا " وتستمر هذه الستراتيجية في العراق الى الان.

الكاتب ماكس فولر ساهم مساهمة كبيرة في توثيق دلائل تورط امريكا في حرب الارهاب التي تشنها ضد الشعب العراقي في مقالته (صرخة ذئب: التضليل وفرق الموت في العراق المحتل) . ويكشف فولر ان وزارة الداخلية هي محطة توزيع فرق الموت . وبعكس الراي السائد، يبين ان الوزارة ليست مليئة بالموظفين الشيعة المتطرفين . في الواقع فإن احدى اشد جماعات مكافحة التمرد وحشية وهي القوات الخاصة يقودها سني كان ضابطا سابقا في حزب البعث (هذه القوات الخاصة اسسها ابن فلاح النقيب وزير الداخلية السابق الذي يظن الكثير انه عميل للسي آي أي ) وارتباطات رؤساء اجهزة وزارة الداخلية مع مدرائهم في السي أي أي عميقة . وكما يقول فولر "الفرقة الخاصة تأسست بتدريب ومراقبة مختصين امريكان سابقين في مكافحة التمرد ومن البداية نفذوا عمليات مشتركة مع وحدات القوات الخاصة الامريكية السرية " (رويترز )

ويقول فولر:" الشخصية الرئيسية في تطوير قوات الشرطة العراقية الخاصةهو جيمس ستيل وهو من القوات الامريكية الخاصة سابقا وكان قد امضى وقتا في فيتنام ثم في السلفادور في ذروة الحرب الاهلية هناك . ومساهم امريكي اخر هو ستيفن كاستيل وهو باعتباره اكبر مستشار امريكي داخل وزارة الداخلية تجاهل اتهامات خطيرة وثابتة حول انتهاكات شنيعة لحقوق الانسان باعتبارها (اشاعات) وخلفية كاستيل مهمة لأن هذا النوع من دور جمع المعلومات وانتاج قوائم موت هو مايميز تورط امريكا في برامج مكافحة التمرد ويشكل الخيط الخفي لما يبدو ظاهريا وكأنه عمليات قتل عشوائية لارابط بينها ."

لاحاجة للقول ان السي آي أي لا تحرك خبرات مهمة مثل ستيل وكاستيل الى اوضاع حرجة في العراق لمجرد جلوسهم في مكاتب مكيفة يقلبون الاوراق . هؤلاء هم الالات الرئيسية في ماكنة فرق الموت العراقية وهم يوضحون الدافع الحقيقي خلف حملة ارهاب واشنطن . لاشيء "عشوائي" او"غير مترابط" في المذابح التي ينتجونها.

ويضيف فولر "لقد اصبح مقر القوات الخاصة محطة توزيع الاوامر والسيطرة والاتصالات والكومبيوتر ومركز عمليات المخابرات بفضل شعار الولايات المتحدة (دافع عن امريكا)."

لقد قدمت الادارة الامريكية شبكة اتصالات رسمية لتنسيق عمليات قتل جماعي.

ويقول ماكس فولر : " من الممكن ان كلا الطرفين من العنف الطائي ينفذ كجزء من عملية مخابراتية ضخمة للسي آي أي مصممة لتمزيق نسيج العراق. وانا اعتقد ان الجهاز المخابراتي في وزارة الداخلية يقول بمهاجمة السنة والقوات الخاصة البريطانية والامريكية بالتعاون مع الجهاز المخابراتي في وزارة الدفاع العراقية تفجر اماكن الشيعة."

رامسفيلد الذي تخرج من حروب امريكا لمكافحة التمرد في نيكاراغوا والسلفادور يوضح نظرياته لحروب القرن الواحد والعشرين: حملة ارهاب هائلة موجهة الى السنة والشيعة في نفس الوقت. وهي اختلاف واضح عن الاعتقاد الذي يقول ان السيطرة على بلد تتطلب نشر الامن . على العكس من ذلك يستخدم الان الترهيب والفوضى بالتبادل من اجل اخضاع السكان وتحقيق اهداف الاحتلال . وكما يقول فولر "

وهذا في رأيي وصف دقيق لحرب امريكا في العراق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة خلال 30 يوما