كتب باء
دنيس جونسون ديفز: رائد ترجمة الأدب العربي الحديث
مقدمة مختارات
(الليلة الأخيرة) وهي 16 قصة من مجموعاتي المختلفة، اختارها وترجمها المستعرب
الكندي دنيس جونسون ديفز ونشرتها دار النشر في الجامعة الأمريكية بالقاهرة في 2002
وأعيد طبعها في 2008.
وكان قد بدأ
الترجمة لي بقصة (العودة الى بيته) ونشرها في 1996 في مجلة (ثقافة وابداع ومنفى)
التي كان يحررها منير العكش وأمينة الزين، ثم قصة (عودة الأسير) ونشرها في
الانثولوجيا (تحت سماء عارية: قصص قصيرة من
العالم العربي) عام 2000 ، ثم أضاف 14 قصة اخرى لتكون مجموعة (الليلة الأخيرة Final Night(
دنيس جونسون ديفز
(1922 – 22/5/2017) رائد مترجمي الأدب العربي الحديث ، ترجم لنجيب محفوظ ويحيى حقي
والطيب صالح وزكريا تامر وغيرهم في اكثر من 25 مجلدا.
***
مقدمة بقلم: دنيس
جونسون ديفز
ترجمة بثينة الناصري
رغم انها عاشت في
مصر على مدى العشرين سنة الاخيرة، وكانت
قد سافرت مرارا في شبابها الى أوربا، لكن بثينة الناصري كاتبة عراقية بحق، عراقية
يحن قلبها الى الوطن وتضنيه مايجابه هذا الوطن من مشاكل حالية.
وقد وجدت في القصة
القصيرة مجالها المثالي للتعبير، وخلال ثلاثين سنة تقريبا من الكتابة انتجت خمس
مجموعات قصصية. وكما هو متوقع، فإن قصصها الأولى هي الأكثر محلية بخلفيات عراقية بشكل خاص، وهي قصص
استخدمت فيها غالبا كلمات وتعبيرات مستمدة من اللهجة المحلية العراقية . في تلك
القصص المبكرة ، قصتان مثل (القارب) و(رجل وامرأة) و (كلب للسيرك) نجد الاسلوب اكثر مباشرة وأكثر توترا من القصص في
مجموعاتها الحديثة. حتى ليبدو في عين المترجم احيانا وكأنه يتعامل مع انتاج كاتبين
اثنين لا صلة بينهما.
في مقابلة مع مجلة
ألف الأدبية ، نفت الكاتبة اي اهتمام لها بقضايا مثل مكانة المرأة في المجتمع،
وحقوقها أو المواضيع التي يدور حولها اهتمام اكثر الكاتبات. تقول الكاتبة ان محنة
البشرية جمعاء هي التي تشكل محور قصصها ، الرجل مثل المرأة في رأيها يستحق اهتمامنا
وعطفنا. وهذا يبدو واضحا في قصتها المبكرة (رجل وامرأة) التي تصف لقاء قصير بين
مومس متقدمة في السن ، وقفت في الشارع طويلا
على أمل ان تحصل على زبون، بلا جدوى، وسائق تاكسي كان سيء الحظ مثلها في
الحصول على راكب. ويتعامل الاثنان تجاه احدهما الآخر بقسوة، ولكن هذه ليست حالة قمع
الرجل للمرأة وإنما ظلم المجتمع حيث يخضع الاثنان لاستغلال آخرين.
العلاقة بين الرجل
والمرأة محورية في كثير من القصص، وتشمل مثل هذه العلاقات موضوع الحب الذي كتب عنه الكثير. ولكن بين يدي بثينة الناصري يصطبغ
موضوع الحب والجنس بلون آخر عما اعتدناه من الكتاب الاخرين. في (الليلة الاخيرة)
تصف ، من خلال حوار على الاغلب يأس حبيبين يجدان ان الحياة بينهما – رغم الحب –
مستحيلة. وقصة اخرى تصف امرأة ورجلا يقعان في الحب من خلال الرسائل – وهو شيء صار
شائعا في اوساط اعمدة القلوب الوحيدة (في الصحف) والفرص التي يوفرها الانترنيت.
وفي اكثر من قصة
هناك الاشارة الى أهمية دور المرأة في انجاب الأطفال، خاصة قصص مثل (كل هذه الأرض)
و(الرجل الذي بدّل ثوره) فالمرأة التي تفشل في هذا الدور تعتبر خاسرة في مجتمع يشجع
على الإنجاب ويكون من السهل على الرجل اتخاذ زوجة ثانية تقوم بالمهمة.. في (الرجل
الذي بدل ثوره) كتبت القصة بسخرية جافة في جو ريفي. وفي (كل هذه الأرض) نجد
الزوجين من طبقة غنية ويتعرض كل من احوالهم المادية والعاطفية للخطر. وحتى في قصة (رجل وإمراة)
يذكر موضوع الانجاب حيث يخبرها السائق بأسف عن زوجته التي لا تحبل. فتقترح
عليه المومس ان يتزوج عليها ولكنه يخجل ان يقول لها انه يحب
زوجته، وإن لم يكن الى الحد الذي يمتنع عن
مطالبة المومس بدفع اجرتها عينيا.
الموت ايضا حاضر
في كثير من القصص وليس فقط في (حكاية
سماح) حيث يعامل موت مأساوي لطفلة صغيرة في حادثة طريق، بواقعية تعلو على المشاعر
العاطفي مما يبين بوضوح - خاصة في تصرف اشقائها اثناء تحضيرها للدفن – التآلف مع
الموت.
لبثينة الناصري
احساس عميق بالمكن والزمان. فقصة (المنزل) تروي قصة التغييرات التي طرأت على منزل وسكانه خاصة السيدة العجوز مالكة
العقار، التي تعيش في تهويمة بين الزمن والمكان. في قصة (العودة الى بيته) الموضوع
اكثر قسوة: كيف تشعر عائلة اسرائيلية استولت على منزل عربي أجبر على النزوح من قبل
غاز أجنبي؟
السياسة ايضا –
الحرب العراقية الايرانية – لها مكان في القصص مثل (عودة الأسير) حيث يعود أسير حرب
قضى سنوات طويلة بعيدا عن بيته ، ليس الى حضن زوجة وأولاد مشتاقين لرؤيته وإنما
الى عائلة صارت غريبة عنه بسبب معاناتها ايضا في البعد عنه سنوات.
لو كان هناك هزل
في المجموعة – والهزل نادر في الكتابات العربية – فقد كان بالشكل غير المباشر في
القصة القصيرة والمبكرة (كلب للسيرك) وتروي عن محاولة رجل فقير انقذ كلبا في الشارع، تدريبه ليكسب به عيشا في
السيرك، ولكن بدون جدوى، فالإثنان لا يمتلكان موهبة كسب رغيف العيش.
ولكن في قصة قصيرة
جدا هي (كنت هنا من قبل) تقدم بثينة الناصري دليلا على قدرتها لخلق أجواء غامضة. وحين يمضي المرء في قراءة
صفحات القصة القليلة يتساءل عن مغزاها، ثم في ختام مفاجىء ، تنتهي القصة.