تأليف: بثينة الناصري
أنهض من الفراش صباح كل يوم. أدخل الحمام، أحدق في وجهي في المرآة، وأتذكر كلير سويت.
قالت مصححة أن
اسمها يُنطق (سويتي). وأنها إيرلندية من بلدة كيرك، التي لم أسمع بها من قبل.
دقيقة ومرتبة،
كما يليق بسكرتيرة تنفيذية في المشروع الدولي الذي كنا نعمل به في مدينة السويس. أنيقة ببساطة،
نشيطة ومرحة، بالقدر الذي يسمح به دمها الإيرلندي، وقَصة شعرها الأشقر القصير،
تحذف بضع سنوات من عمرها الذي لم استطع تخمينه تماما، ولكنها بالتأكيد تعدت منتصف
العمر، ولهذا سأتذكر دائما يوم طرقتُ باب غرفتها، في ذلك الفندق في أسوان، الذي
قضينا معا فيه اجازة شتائية رائعة. كان الوقت مبكرا. فتحتْ الباب، فرأيتها لأول
مرة بملابس النوم، وشعرها القصير مشوشا، ثم رأيتُ وجهها، بدون مساحيق، وبدون قناع
البشاشة والحيوية.
"يا إلهي" هتفتُ في أعماقي
"كم هي عجوز!"
والآن، كلما
أنهض صباحا، وأدخل الحمام، وأنظر في المرآة،
أتذكر كلير سويتي.
لقد مرت سنوات
طويلة، عبرتُ خلالها بسرعة مذهلة، حدود الزمن الذي كان يفصل بين جيلينا. وقبل
أيام، وأنا أبحث في أوراقي القديمة، وجدت بطاقة أنيقة صغيرة، كانت كلير قد أرسلتها
من روما، مقر الإدارة الرئيسية للمشروع، حيث نقلت إليه، تصف فيها جولة لها في
المدينة، كما رأتها في عيد الفصح من ذلك العام 1984.
"إني أقضي وقتا طويلا أتجول في شوارع
روما، لزيارة المواقع السياحية. بالأمس مثلا ذهبت إلى مكان يعج بالفنانين، ومقابل
مبلغ صغير، يرسمون لوحات بورتريه وكاريكاتير، وكان من الممتع أن اراقبهم وأقارن
بين اللوحة والأصل. إن المكان زاخر بالحياة، واللمحات الإنسانية. للأسف، الصورة
التي رسموها لي، لم تكن تشبهني اطلاقا. ماذا أقول؟ كانت لعجوز لا أعرفها" ثم
أضافت في نهاية البطاقة، جملة ضحكت لها يومها، ولكني أراها الآن غريبة و(كئيبة)
"من فضلك، إبقِ على اتصال، وإبقِ على
قيد الحياة"
ذلك أن كلير
ماتت بعدها بوقت قصير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق